تشكل تغريدة الرئيس الأميركي جو بايدن على حسابه في “تويتر” ، بأن الانسحاب من أفغانستان لا يتعلق فقط بذاك البلد بل بإنهاء حقبة مما أسماه العمليات العسكرية الكبرى، تغير كبير في سياسة الولايات المتحدة الأميركية، وانتقال من الضربات العسكرية الاستباقية إلى تصريحات الانسحاب الاستباقية.
أياً يكن مبرر تلك التصريحات فإنه يحق للرجل أن يمهد مسبقاً لسلسلة خيبات بلاده المتوقعة في المنطقة، وأن يداري لملمة أذيال الهزيمة بالطريقة التي يراها مناسبة له بما يحفظ شيئاً من ماء وجه بلده الذي سفك على تراب المنطقة برمتها من أفغانستان إلى سورية والعراق.
مؤشرات ودلائل كثيرة تشي بقرب خروج المحتل الأميركي من سورية والمنطقة، سواء تحت ضربات المقاومة الشعبية في منطقة الجزيرة، أو تطبيقا لرؤية بايدن التي تقول ” إنه الوقت للنظر إلى المستقبل، وليس الماضي”، الأمر ذاته تدلل عليه تصريحات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والتي أكد فيها أن المشاركين في “قمة بغداد”، التي عقدت في العاصمة العراقية، توافقوا على “بدء صفحة جديدة مع سورية”، وحكماً فإن تلك الصفحة الجديدة لا تكون بوجود أي محتل على التراب السوري.
يبدو أن الإدارة الأميركية تعلمت شيئاً من درس أفغانستان، حيث خرجت من هناك بما أسمته الانسحاب الفوضوي، بحيث يكون انسحابها من باقي قواعدها الاستعمارية بشكل مخطط ومنضبط، وربما ما أكدته مصادر من قيام الاحتلال الأميركي بسحب حوالي 230 جندياً بينهم ضباط مع معداتهم العسكرية ومروحياتهم من قاعدتي “تل بيدر” و”قصرك” غير الشرعيتين في ريف الحسكة الشمالي على طريق “M4” شرق مدينة تل تمر، بداية لانسحاب مدروس وإن تأخر شيئاً ما لاحقاً.
ما يسعى إليه بايدن إزاء التمهيد لسحب قوات بلاده المحتلة من المنطقة، ليس منة، أو عن طيب خاطر وإنما محاولة منه لعدم تكرار صورة أفغانستان، فقضية تحرير الأرض ليست سوى مجرد وقت، والتاريخ يؤكد أن لا ديمومة لمحتل، كما يؤكد عدم إذعان السوري لأي قوة استعمارية مهما طغت وتجبرت.
كلام بايدن الصريح والواضح والذي يعكس سياسته الاستراتيجية في المنطقة، لم يرق للبعض المدافعين عن بقاء الاحتلال، فسارع البعض منهم للتقليل من احتمالية انسحاب قوات الاحتلال من سورية، في محاولة تكتيكية لبث الطمأنينة في قلوب عملاء تلك القوات، محاولاً إعطاء بقاء الاحتلال أسباباً أكثر وأبعد أهمية من بقائه في أفغانستان، إلا أن ما استبعد البعض في الإدارة الأميركية حدوثه سابقاً في افغانستان حصل بين ليلة وضحاها، ومحاولتهم لملمة ما انفرط من عقد هيبة الاحتلال الأميركي لن تجدي نفعاً.
حدث وتعليق -منذر عيد
Moon.eid70@gmail.com