الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
بينما كانت كل الأنظار تتجه إلى أفغانستان، جرى حدث أكثر أهمية في بغداد كنتيجة مباشرة لتحول واشنطن العسكري بعيداً عن الشرق الأوسط – كان وزراء الخارجية السعوديون والإيرانيون والإماراتيون يجتمعون معاً في قمة أمنية إقليمية استضافتها الحكومة العراقية، وبدلاً من الفوضى، قدمت قمة بغداد رسالة مختلفة- ومع تراجع الولايات المتحدة عسكرياً، تضطر دول المنطقة إلى التقدم دبلوماسياً.
القصة غير المروية في الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية هي الزيادة الهائلة في النشاط الدبلوماسي بين الجهات الإقليمية الفاعلة والتي بدأتها دول المنطقة.
كما سعت الإمارات العربية المتحدة وتركيا لحل التوترات بينهما، حيث التقى مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد بالرئيس التركي رجب أردوغان في أنقرة الشهر الماضي، وكانت الدولتان في مواجهة بعضهما البعض في العديد من المسارح في الشرق الأوسط، بما في ذلك ليبيا، حيث حسمتا لقب أكثر دولتين تدخلاً في المنطقة على مدار العقد الماضي.
كانت تركيا بقيادة أردوغان داعماً رئيسياً لجماعة “الإخوان المسلمين”، التي يعتبرها الإماراتيون التهديد الأيديولوجي الأساسي لهم، وتعتقد تركيا أن الإمارات سارت في طريقها إلى الوراء في عام 2016، من خلال دعم الانقلاب العسكري الفاشل ضد أردوغان، الآن يبدو أنهم عازمون على الحد من التوترات السياسية من خلال زيادة التعاون الاقتصادي.
كانت قمة بغداد تتويجاً لموجة من النشاط الدبلوماسي في الأشهر الماضية بهدف إرساء الأساس لنظام أمني إقليمي جديد.. ألقى الرئيس العراقي برهم صالح – وهو محق- باللوم على الحالة المحزنة لأمن المنطقة على “انهيار أنظمة الأمن والتعاون فيها”.
كانت القمة انطلاقة ليس بسبب ما تقرر، ولكن لكونها عقدت أصلاً ولمن حضر: وزراء خارجية إيران والسعودية والإمارات وتركيا، بالإضافة إلى رؤساء دول مصر وقطر والكويت والبحرين.
وأشار وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى أن “حقيقة أننا نجحنا في جمع الدول المتنافسة معاً على طاولة واحدة، وبدء الحوار بينها ليس مهماً لنا لهم فقط، ولكن بالنسبة للمنطقة بأسرها”.
تبنت إدارة بايدن عدم لفت الانتباه إلى تسهيل العراق للدبلوماسية الإقليمية ودعمها، باعتبار أن واشنطن اللاعب الخارجي المهيمن في المنطقة، ناهيك عن التأثير المزعزع للاستقرار لغزو العراق واحتلاله للعراق عام 2003، فقد يكون الدور الأمريكي الأكثر بروزاً قد جعل من المستحيل عقد مثل هذه المشاركة الواسعة.
إن أهم اختراق دبلوماسي في طور الإعداد هو بالطبع الاختراق بين السعودية وإيران، الخصمين الرئيسيين في المنطقة.
ويستضيف العراقيون اجتماعات سرية رفيعة المستوى بين الخصمين منذ وقت سابق من هذا العام، والتقط قادة إيرانيون وسعوديون وإماراتيون كبار الصور معاً في بغداد.
كما عقد أمير دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم اجتماعاً ثنائياً مع وزير الخارجية الإيراني الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، كانت التغطية الضئيلة التي تلقتها قمة بغداد تميل إلى التركيز على الدور الذي فاز به العراق حديثاً كمحور دبلوماسي للمنطقة، بدلاً من السؤال الأكثر أهمية حول سبب حدوث كل هذا الآن.
في الواقع، كيف تغيرت هياكل الحوافز للعديد من الدول الإقليمية فجأة لصالح الدبلوماسية كلها في نفس الوقت؟ الجواب لا يكمن في التعب من الصراع لأنه من غير المرجح أن يعاني جميع اللاعبين من هذا الإرهاق تقريباً في نفس الوقت، بدلاً من ذلك، تكمن الإجابة في الطريقة التي يؤثر بها الانسحاب العسكري لواشنطن من الشرق الأوسط على تحليل التكلفة والعائد لجميع اللاعبين عندما يتعلق الأمر بمواصلة تنافسهم.
كما كتب في فورين بوليسي في نيسان، “لم يكن هناك الكثير مما فعلته واشنطن بل ما أوقفته واشنطن – أي طمأنة شركائها الأمنيين في المنطقة بأنها ستستمر في دعمهم دون قيد أو شرط، بغض النظر عن السلوك الطائش الذي قاموا به.
إن ابتعاد واشنطن عن التورط في مشاجرات وحيل شركائها في الشرق الأوسط أجبر قوى المنطقة على النظر أخيراً إلى الدبلوماسية على أنها أفضل خيار لها.
كانت الفرص الدبلوماسية متاحة لهم بسهولة طوال الوقت، ولكن طالما كان بإمكان شركاء الولايات المتحدة الاعتماد على واشنطن لدعمهم وحل مشاكلهم، فقد كان يُنظر إلى الدبلوماسية على أنها دون المستوى الأمثل، على سبيل المثال، فضلت القيادة السعودية أن تقضي الولايات المتحدة عسكرياُ على خصوم الرياض أو احتوائهم أو عزلهم سياسياً، لأن المفاوضات مع خصوم مثل إيران ستؤدي حتماً إلى تنازلات مؤلمة يمكن للقيادة السعودية تجنبها.
طالما أن شركاء واشنطن الإقليميين يتمتعون بـ “الخيار الأمريكي”، فقد اعتُبرت المواجهة أفضل من الدبلوماسية، على الرغم من أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت عملية بغداد ستنجح، إلا أنه يثبت صحة توقعات استراتيجية بضبط النفس.
انسحاب بايدن الوشيك من المنطقة، كما هو متوقع، أطلق العنان لإمكانات غير مستغلة للجهات الفاعلة في الشرق الأوسط لحل مشاكلها، امتلاك ومحاولة بناء الهياكل اللازمة لضمان منطقة أكثر سلاماً، واستقراراً.
كل ما كان على واشنطن فعله هو التوقف عن تزويدهم بخيار عدم الخروج من الطريق، اجتمعت دول شنغهاي، وروسيا وباكستان والصين وانضمت إيران إلى المنظمة لتعزيز التنسيق لمنع الفوضى وكبح الإرهاب وإعادة بناء السلام.. فقط الوقت سيحدد ما إذا كانت هذه الدول ستنجح دبلوماسياً حيث فشلت الولايات المتحدة عسكرياً.
بقلم: تريتا بارسي
المصدر: Responsible Statecraft