الثورة أون لاين – رياض طبرة:
تبدو المفردات والمعاني أن تكون عجينة حلوى بين يدي نور نديم عمران وهي تتلو علينا مزامير السرد في مجموعتها (حب في زمن كورونا).
وتكاد القصة هاربة من وادي عبقر, وهذا لا ينفي توظيف ثلاثة مستويات من اللغة في المجموعة فمن لغة القصة القصيرة وما تحمله من تكثيف وإيجاز في جملة لا تحتمل الاقتصاص من مفرداتها.
إلى شاعرية ظاهرة وموظفة على نحو متقن للتناغم مع الحدث , إذ كيف لنا أن نروي معاناة الحبيب بمفردات الطاقة ومشتقات النفط.
ثم هذا الانحياز إلى لغة الرواية وما تحتاجه من نفس طويل وإكمال للمعنى بما يحتاجه المبنى , وربما أزعم أنها الخطوة الأولى على طريق السرد الروائي , وقبل ذلك أرى أنها جعلت من قصصها رواية البطل فيها , أو الشخصية المحورية فيها, هي هذه الذات الحالمة بعالم خال من الأوجاع والهموم..
عالم تسوده العدالة وتحكمه المساواة وهدفه الانسان هذا المميز في الأرض وفي السماء.
من القصة الأولى (خيط الحياة) حيث معاناة الأم تتوارث من جيل إلى جيل لكنها تبدو في الريف أكثر قسوة لأسباب تاريخية مرتبطة بالنظام الاجتماعي والاقتصادي وحتى الديني, إلى (عذراً أيها الحب) تأخذك نور عمران إلى عوالم شتى , فيها الكثير من الواقعية وفيها ما فيها من جماليات القص والسرد الماتع .
يدفعك ذلك النهم الحكائي عندها والرأي السديد والمحاكمة العقلانية إلى تتبع خطواتها قصة قصة وخاطرة خاطرة وربما قصيدة قصيدة.
فعذرا ايها الحب حزمة من معاناة المرأة العاشقة المخلصة الوفية وهي بكل تأكيد حالمة , مازال الحب عندها أنشودة خلاص ومنقذا إلهيا من آلام الراهن .
أما (أموية الهوى …) القصة الثالثة فهي قصيدة عشق للشعر الأموي وما حمله ذلك الخالد في الذاكرة الجمعية لأجيال وأجيال , وكأني بالقاصة تصرخ في وجوه الشباب أن عودوا إلى هذا البهاء والنقاء ففيه ترتقي النفوس وتمتلأ فخرا بالأجداد ومورداً عذباً لا مورد يضاهيه.
لكنها تعود بنا إلى من حولنا , إلى حب من نوع سام لا يطاوله حب ولتتلو علينا سفراً من تضحيات أبنائنا وبناتنا جرحى الحرب , وما خلفته هذه الحرب الظلوم الغشوم من كوارث نراها ونعيشها.. فالشهيدة الحي كما الشهيد الحي وسام على جبين الوطنيين والشرفاء يستحقون منا كل رعاية وتقدير واهتمام.. قصة (كعب عال ) ليست القصة الوحيدة بل لهذا الوجع وجوه وحالات عديدة.
أما الوجع الذي سلطت أنوارها الباهرة عليه فهو داء النفاق الاجتماعي والسياسي عبر فضح الأقنعة، ففي قصتها ( أقنعة الحياة) ما يستحق التوقف عنده والتفكر ملياً بما آلت إليه ممارساتنا اليومية.
(لو) وهي ليست من عمل الشيطان هنا بل هي حكاية وجع لامرأة نجت بأعجوبة من الجائحة وإلا كانت مع حبيبها من بين من طوتهم صفحات النسيان .
وفي (وسم ) وجع من نوع جارح للكرامة قبل أن يكون وجعاً للروح في زمن لم يعد أحد منا قادراً على تحمل القليل فكيف لقلب أن يحتمل خيانة الحبيبة مع ساقط لاه يتخلى عنها بعد جريمة نكراء ليقوم الأهل بتزويجها من شقيق الحبيب؟؟ .
سأتابع إشارتي لقصص عمران حيث تعيدنا إلى عالم الطفولة والبراءة وحالات العشق التي مرت حيث تقع الطالبة وهي في الصف السابع بحب استاذها وما تعرضت له من خيبة .
بعدها نصل إلى (حب في زمن كورونا) والتي حظيت المجموعة كلها باسم القصة وهذا خيارها لتجعل من هذه العتبة ما يحرض القارئ على تتبع الحب في أيامنا هذه في استذكار أو تناص مع الحب في زمن الكوليرا.
لكن الكاتبة في (خمر الحياة ) أعادتنا إلى قيم ومعاني الوفاء في الحب والعطاء بسخاء والتضحية عن طيب خاطر , أي إلى حزمة من القيم والمثل بعدما أتت على الكثير منها قيم المجتمع الاستهلاكي اللاهث خلف الملذات بدون أي مراعاة للحرام والحلال .
ف علا العاشقة ل نادر ضحت بقلبها حين انحاز نادر إلى زوجه وأسرته في تكريم للحياة الزوجية وعدم العبث بحرمتها مهما اشتط الزوج في لهوه وانحرافه , ( حب في فضاء أزرق ) قصة تليق بكل شيء.
لم ينج الفساد من بين أنامل نور عمران وها هي تفضح جانبا من جوانبه ومظهرا من مظاهره ليس من أجل بيانه فهو واضح وجلي لكنها هنا في تحريض على مكافحته , وذلك في قصتها( مونولوج) ولا يخفى على القارئ الحصيف صلة العنوان في النص .
في قصص نور عمران أمران يثيران انتباه القارئ أولهما هذه التلقائية في السرد ما يجعله يسير خلف لغتها الجميلة وسردها المشوق وهذا البناء المتماسك للقصة, وثانيهما هذا الصدق الذي تتبادله مع الكاتبة بحيث لا تقوى على مخالفتها مهما كان موقفك المسبق من الحدث وتداعياته وبذلك تكون قد احترمت رأيها .
في المجموعة قصص أخرى :الانسة سين , ألوان الحب , في الليلة العشرين , طوفان, مخاض في رحم الموت , غباء, على مشارف الضوء , الغالية غالية , متصل أبدا , وهي موزعة في عناوينها ما بين مفردة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة , وبذلك لم نلحظ انحيازاً واضحاً للعنوان على حساب باقي العناوين وهذا يؤكد عدم التكلف وإعمال الصنعة في الاختيار.
بقي أن أقول إنها مجموعة تبعث على التفاؤل بمستقبل القصة وتقدمها كجنس أدبي فاعل ومؤثر في المشهد العام للأدب السوري وبما يغني مسيرته الإبداعية.