أتساءل بكثير من التوجس ماذا عسى أن يقدم أردوغان عليه بعد لقاء القمة الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهل يلتزم بما تعهد به أمامه؟ أم يعود إلى سابق عهده من التنكر للتعهدات والحنث بالوعود وعدم الالتزام بقواعد الاتفاقات الموقعة؟
فعلى الرغم من العديد من لقاءات القمة التي جمعت الرئيسين في كل من سوتشي وموسكو واستنبول خلال السنوات الثلاث الماضية، وعلى الرغم من هذه القمة كانت اللقاء الثاني خلال العام الجاري، إلا أنها مثلت حيوداً سياسياً واضحاً على مستوى العلاقات بين البلدين بشكل عام، وبين الرئيس بوتين وأردوغان بشكل خاص، فبعد مرور قرابة ثلاث سنوات على انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري- السوري في سوتشي نهاية كانون الثاني ٢٠١٨، وبعد جولات آستانة وتقديم أردوغان التزامات ضامنة شكلياً، فإن الظروف الحالية قد تغيرت كثيراً، ولم يعد الرئيس فلاديمير بوتين يمتلك الصبر والاحتمال الذي مارسه مع الرئيس أردوغان الذي لم يبد التزاماً حقيقياً فيما كان يتم الاتفاق عليه سواء في سوتشي أو آستانة، الأمر الذي دفع الرئيس بوتين لاتخاذ هذا الموقف التحذيري والقرارات الصارمة في إجبار نظام أردوغان على سحب قواته غير الشرعية الموجودة في سورية، وإيجاد حل لوضع المجموعات المسلحة الإرهابية الموجودة في إدلب خلال فترة قصيرة لا تتجاوز نهاية العام الجاري.
في القمة التي قارب التآمها الساعات الثلاث لم تظهر ابتسامة صغيرة على وجه الرئيس الروسي الصلب؟كما أن ملامح أردوغان كانت تشي بما يواجه من ضغط وانصياع لواقع تهرب منه لسنوات طويلة، ولم يستطع الثعلب العثماني الجديد اللعب على حبال تناقضات العلاقات الدولية وخاصة ما بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، فخلال جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة لم يحظ أردوغان بشرف اللقاء مع جوزيف بايدن الرئيس الأميركي القادم إلى البيت الأبيض بمفاهيم ومواقف وسلوك لا يتوافق وهوى أردوغان وغيره ممن أسهموا في الحرب على سورية، ولم يجنوا سوى الخيبات في نهاية عدوانهم،
ولذلك فقد كان أردوغان محروماً من كل أسلحته التآمرية وخاضعاً لقرار الرئيس بوتين فيما يطلب ويأمر بعد أن نفد صبره في منح أردوغان فرصاً لم يحسن الاستفادة منها،فكان أن انتهت القمة على غير شكل سابقاتها دون مؤتمر صحافي والاكتفاء بتصريح قصير يقول بحتمية إنهاء الوجود الإرهابي في إدلب.
وهذا ما بدأ يتحقق جزء منه من خلال سحب الدبابات والمجنزرات والعربات العسكرية التركية إلى الداخل التركي وإخلاء مواقع في إدلب، إذ لم تعد الظروف تماثل ظروف اتفاق سوتشي الأسبق في السابع عشر من أيلول ٢٠١٨ عندما تم الاتفاق على أن يكون منتصف تشرين الأول من العام نفسه موعداً نهائياً لتراجع المجموعات المسلحة عن الطريقين الدوليين اللذين يربطان ما بين حلب وكل من دمشق واللاذقية مع سحب كامل الأسلحة الثقيلة من تلك المجموعات المسلحة والبحث في متابعة التسويات والمصالحات المأمولة، لكن أردوغان بدأ اللعب سريعاً متنكراً لما التزم به للرئيس بوتين من خلال إطلاق يد هيئة تحرير الشام للسيطرة على معظم أراضي إدلب وإسقاط الاتفاق.
أما اليوم فإن الأمر غدا مختلفاً تماماً، فالوضع الدولي الذي أعطى روسيا دوراً أكثر قوة، وهو الوضع الذي أبعد النفوذ الأميركي وبدل من أولوياته واهتماماته لم يعد ممكناً في ظل تفاهمات دولية لا ترضى للإرهاب بالبقاء في مرحلة التعاون الاقتصادي المرتقب والذي يحتاج هدوءاً واستقراراً.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد