الثورة أون لاين – سامر البوظة:
تحتفل جماهير شعبنا الأبي في سورية بالذكرى الـ 48 لحرب تشرين التحريرية، تلك الحرب التي شكلت منعطفا هاما في حياة أمتنا العربية، وكانت نقطة التحول الأبرز في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث ساهمت في تحطيم أسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي وانتزاع العرب زمام المبادرة من العدو باتخاذ قرار الحرب, وأعادت الثقة إلى نفس الجندي العربي وأثبتت قدرته على تحقيق الانتصار, خاصة بعد الإحباط والإحساس العميق بالمرارة الذي تغلغل في نفوس وأعماق الجماهير العربية وداخل عقولهم بعد نكبة عام 1948 ونكسة حزيران 1967.
إن حرب تشرين التحريرية التي قادها وخطط لها القائد المؤسس حافظ الأسد, أظهرت انتصار الإرادة والعقل العربي على الأوهام , وكرست بطولات الجيش العربي السوري الذي قدم للعالم دروسا في التضحية والفداء, وقد شكلت هذه الحرب الخالدة نقطة تحول ومفصلا مهما في تاريخ العرب الحديث بنتائجها ومضامينها, وقد تجلت أبعادها واضحة على جوهر الصراع العربي الإسرائيلي, وبدلت معادلات القوى والتوازنات في المنطقة, ورسخت مبدأ ربط السلام والاستقرار في المنطقة بإنهاء احتلال الكيان الإسرائيلي للأراضي العربية وإعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها الشرعيين وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها بالقوة.
فمنذ قيام تلك الحرب عام 1973 مرورا بمؤتمر السلام في مدريد عام 1991, كانت سورية ولا تزال تؤكد دائما على مطالبها العادلة وتمسكها باستعادة الجولان المحتل حتى خط الرابع من حزيران عام 1967 وجميع الأراضي العربية المحتلة, وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة اللاجئين واعتبار تحقيق ذلك من الأسس والثوابت الضرورية التي لا يمكن التراجع عنها والتي لا يوجد بديلا عنها لتوفير متطلبات الأمن والاستقرار في المنطقة وإقامة السلام العادل والشامل المستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام, وطوال العقود الماضية رفضت اتفاقيات الاستسلام والإذعان والتنازل عن حقوقها ومبادئها, واستطاعت أن تصمد في وجه الضغوط وتحبط كل المحاولات الأميركية والغربية المتكررة لعزلها وإضعافها, والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم, وأثبتت أنها الرقم الصعب وحجر الزاوية في المنطقة الذي لا يمكن تجاوزه , وأنه لا يمكن لأحد النيل من صمودها ومن مواقفها الوطنية والقومية الثابتة.
ولعل من أبرز ما حققته حرب تشرين هو التضامن العربي وعمق الشعور بالانتماء ووحدة المصير, فقد جسدت هذه الحرب التلاحم والتضامن بين العرب وتنسيق قواهم ومقدراتهم للانتقال من حالة التشرذم والضعف والتفكك إلى موقف عربي موحد يتجاوز مشاريع التآمر والتقسيم والتدخل الخارجي, حيث كان لمشاركة بعض الجيوش العربية في الحرب الأثر البالغ في تحويل المعركة إلى معركة قومية بامتياز ضد عدو مشترك يستهدف وحدة الأمة ووجودها, وهو ما يحتاجه ويفتقده العرب اليوم خاصة في ظل ما تتعرض له منطقتنا وما يحاك لها من مخططات تفتيت وتقسيم, وهو ما يستوجب موقف عربي موحد للوقوف في وجه المؤامرات والتحديات, هذا التضامن والتلاحم الذي لطالما دعت إليه سورية وآمنت بجدواه وسعت لتحقيقه, إيمانا منها بأنه الضمان الأمثل لحرية العرب وقوتهم وسيادة أوطانهم وهو السبيل الوحيد لإعادتهم إلى الخارطة الإقليمية والدولية.
إن وعي وإدراك أبعاد ونتائج حرب تشرين على المستويين الإقليمي والدولي يشكل أمرا أساسيا ومهما لاستثمارها وتوظيفها بما يصب في تعزيز القدرات العربية للتعامل مع تحديات الواقع وتجنب عواقبها السلبية والصمود في وجه الضغوط حفاظا على الحقوق العربية من الضياع في وقت تكرس منظومة العدوان وعلى رأسها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الغاصب كل الجهود لنسف أسس إقامة السلام العادل والشامل في المنطقة.
إن ذكرى حرب تشرين التحريرية هي مناسبة تاريخية مهمة من أجل استلهام دروسها والاستفادة المستمرة من نتائجها, واليوم ربما نحن أحوج من أي وقت مضى إلى استنهاض روح النصر الذي تحقق في تشرين خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها منطقتنا والتحديات السياسية والاقتصادية الخطيرة التي تواجهها والتي تستهدف وجودها وتاريخها ومستقبلها ومحاولات الهيمنة ونشر الفوضى المدمرة, لذا علينا أن نعي اللحظة الراهنة بكل أبعادها وان نستلهم العزيمة والإرادة من أمجاد حرب تشرين كي نكون الأوفياء لدماء الشهداء والأمناء على مستقبل أجيالنا. واليوم بعد مرور 48 عاما على قيام تلك الحرب المظفرة, لا تزال صور الانتصارات والبطولات التي تحققت ماثلة في ذاكرة كل السوريين, وعلى نفس النهج يسير اليوم أبطال جيشنا الباسل في حربهم المقدسة ضد الإرهاب ليكملوا مسيرة أجدادهم الأبطال وانتصاراتهم التي سطروها في حرب تشرين حتى تحقيق النصر الأكبر وتحرير كل شبر من أرضنا المباركة من دنس كل محتل أو إرهابي وعميل.