الثورة أون لاين – ريم صالح:
قبل يومين عقد اجتماع رفيع المستوى لدول حركة عدم الانحياز بمشاركة سورية، في العاصمة الصربية بلغراد بمناسبة الذكرى الستين لتأسيسها، ولا شك بأن هذه المنظمة الدولية تلعب دوراً مهماً للغاية في الشؤون الدولية، لاسيما وأنها تدافع بشكل دائم عن مبادئ الأمم المتحدة وقوانينها، وتدعو للمساواة بين الدول على أساس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتتمسك دولها الأعضاء بلغة الحوار لحل المشكلات والأزمات العاصفة بالعالم، بعيدا عن نهج الهيمنة والتسلط الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون.
وفي ظل التوترات الدولية المتصاعدة التي تخلقها السياسات الغربية، باتت الحاجة ملحة أكثر لضرورة تفعيل دول حركة عدم الانحياز علاقاتها التاريخية، والمساهمة في إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية لتحقيق عالم أكثر أمناً يسوده السلام والعدالة والتعاون ويقوم على أساس احترام سيادة الدول واستقلالها وسلامة أراضيها تطبيقاً للمبادئ التي أقرتها في اجتماعها التأسيسي قبل 60 عاماً، وهذا ما أكدت عليه سورية خلال مشاركتها في الاجتماع الذي عقد في بلغراد، وهذا ما يمليه واقع الاضطراب الأمني والسياسي الحاصل على الساحة الدولية، وهو يتطلب التعاضد والتكاتف بين الدول المحبة للسلام، لمواجهة التحديات والتهديدات الراهنة للأمن والسلم الدوليين، ودول حركة عدم الانحياز تمتلك الإمكانيات والقدرات لمواجهة تلك التحديات، والمساهمة في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، تنتفي فيه حالة الهيمنة الأميركية والغربية.
دول حركة عدم الانحياز اتفقت منذ مؤتمري باندونغ وبلغراد على تحقيق عالم أكثر أمناً يسوده السلام والعدالة، والتضامن، والتعاون، والامتناع عن العدوان، أو استخدام القوة، والتلويح بها، وعلى حل المنازعات بالطرق السلمية، وذلك انطلاقاً بإيمان تلك الدول بحق الشعوب أن تقرر مصيرها ومستقبلها بنفسها، وبأنها تستحق أن تعيش في عالم يسوده الأمن والسلام والازدهار، ولكن هذه الأهداف المحقة والمشروعة ما زالت تصطدم بالسياسات الغربية الاستعمارية، حيث يلهث القائمون عليها لتعميم الفوضى الهدامة، ونشر الإرهاب، واستخدامه كأداة في استهداف الدول المناهضة لنهجها العدواني، وبالتالي تثبيت الهيمنة الأميركية والغربية، ومصادرة حقوق الشعوب الأخرى.
ما نقوله ليس مجرد كلام، وإنما هو حقائق ميدانية، توثقها الأيام بازدحام صخبها السياسي، وحراكها الدبلوماسي، وإلا كيف نفسر سياسة الترهيب الدولية، وسفك الدماء الممنهجة التي تتعمدها كل من واشنطن، ولندن، وباريس بحق المدنيين الأبرياء، وبحق كل شعوب الأرض دون أي استثناء؟، ألم تقرأ هذه الدول ميثاق الأمم المتحدة فعلياً، بل ألم تع جيداً المبادئ التي أجمعت عليها دول حركة عدم الانحياز؟، أم أنها تصر حتى اللحظة على التصرف وكأنها متزعمة للعالم بأسره، وما على الدول المقاومة، والسيادية، والشعوب الصامدة إلا الخنوع والسمع والطاعة؟.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، ما الذي يمكن أن نقوله عن هذا الإرهاب المنظم الذي تمارسه إدارة الخراب الأمريكية في سورية؟، وماذا عن تحالفها الاستعراضي الهوليودي المزعوم الذي يدعي محاربة الإرهابيين الدواعش على المنابر الأممية، فيما الشاشات توثق عمليات إمداد، وتسليح، ونقل أولئك الإرهابيين عبر طائرات الكاوبوي الأمريكي من قاعدة أمريكية غير شرعية على الأراضي السورية، إلى أخرى، سواء على الأراضي السورية، أو العراقية، تمهيداً لتكليفها بمهمات انتحارية، أو هجمات إرهابية جديدة؟، بل كيف لنا أن نقرأ استخدام المحتل الأمريكي للفوسفور الأبيض المحرم دولياً في الرقة وريف دير الزور؟.
ثم ماذا عن المحتل التركي الذي يقوم بقطع المياه عن أهلنا في الحسكة، وينفذ وإرهابييه المأجورين اعتداءات إرهابية شبه يومية لإجبار السوريين على ترك بيوتهم وممتلكاتهم، تمهيداً لفرض واقع ديموغرافي وجغرافي جديد، يدغدغ أوهام السلطنة البائدة، وكل ذلك يجري جهاراً، وإن لم يكن بمباركة دولية علنية، فإنه بتواطؤ مفضوح الأركان، معروف المقاصد والغايات.
ليس الأمريكي وحده، أو التركي من يمارس البلطجة الدولية على الأراضي السورية، فهناك الأصابع الصهيونية، وبصمات الإدانة في كل عمل إجرامي، أو إرهابي تشهده سورية، أو أي دولة من دول الجوار، ودول المنطقة، حيث أطماع هذا الكيان المارق لم ولن تكتفي بالأراضي الفلسطينية، أو اللبنانية المحتلة، أو الجولان السوري المحتل، وإنما تمتد من الفرات إلى النيل حسب أوهام مجرمي الحرب الصهاينة.
ويبقى السؤال: ألا تستوجب هذه الممارسات العدوانية من قبل الدول الغربية، وأدواتها من أنظمة وقوى مرتهنة وتابعة لها، والتي تهدد الأمن والسلم الدوليين، تدخلاً عاجلاً غير أجل، لتصحيح المسار الإنساني، والأخلاقي، ولجم الأنظمة العدوانية المارقة، وبالتالي فرض قوة القانون؟!.
لا نبالغ إذا قلنا إن الأمر يتطلب انتفاضة شعبوية عالمية، لا تسأل القاتل الأمريكي، والبريطاني، والفرنسي، والتركي، والصهيوني على هول ما اقترفه ولا يزال من إرهاب ممنهج بحق الشعوب المقاومة والمناهضة لمشاريع الهيمنة والاستكبار فحسب، وإنما تحاسبه وتعيد الحقوق السليبة إلى أصحابها.