نحتاج للكثير من الشجاعة، الصدق، القوة.. والأهم حضور الكرم، في قائمة تلك المواصفات التي من المفترض توافرها في مَن يُقدِم على نطق اعترافات جريئة يمكن أن تغدو مع الأيام بمثابة حقائق يصعب نكرانها.
احتمال تحوّلها إلى حقائق واضحة هو ما يربك انطلاقها والإقرار بها.. لكن لن يمنع نهايةً، تماهيها مع بوحٍ يصقل جوهر الإنسان فينا.
ما كان بينها وبين نفسها مجموعة أسرار محبّبة، أو حقائق أقرّت بها ضمنياً، تحتاج النطق لتقوم بتثبيتها في ركن حميمي من ذاكرتها..
ما كان بينها وبين نفسها، تحول بالنسبة للآخر إلى اعترافات..
طوال الوقت اعتبرتها إشباعاً لحالة صدق، وفيضاً من كرم المشاعر التي يندر الإحساس بها..
فما المانع من إطلاقها إلى مجال يمنحها درجة الإثبات والقبول وبالتالي احتمال التحقّق وتحصيل شيء من تموجات السعادة وإن كانت مؤقتة..؟
كلّما كانت تنطق بواحدٍ من اعترافاتها/حقائقها، كانت تعتقد أنها تقوم بتقليص المسافات وصولاً إلى حصد المزيد من القرب..
أما النتائج، فلم ترهق نفسها بحساباتها..
لطالما آمنت أن سخاء الاعتراف يضمن شيئاً من الاحترام والتقدير على الضفة المقابلة ولا يهم إن كانت معلنة هي الأخرى أم لا .. مجرد الإيماء المبطن يكفي.
تعجبها فلسفة لودفيغ فتغنشتاين عن الاعتراف، حتى لو كانت تتمحور حول مواجهة النفس وكشف الزيف فيها وخداعها لذاتها.
بالنسبة لها الاعتراف أمام الآخر أو للآخر، يشبه تماماً الاعتراف أمام الذات..
لأنه مهما كان ما نعترف به للآخر، لا نقوم به إلا حين نعتبر هذا الآخر لامس نقطة عميقة من ذواتنا.
في واحد من اعترافاته عام 1937، يذكر فتغنشتاين: “في العام الماضي استجمعت قواي وأدليت باعترافٍ. هذا جعلني على مياه أكثر استقراراً، لكن الآن أنا أقترب من مياهي المضطربة من جديد”.
اعترافاتها كانت بوصلة ركونها إلى المياه الأكثر استقراراً..
أو هكذا اعتقدت.. ولم تدرك أنها تشتمل احتمال اضطراب مياه الآخر.. وبالتالي نقل بعض من المياه المضطربة إليها.
رؤية – لميس علي