ثمة حوادث وأحداث متفرقة لا تنفصل عراها وإن ابتعدت جغرافيتها، فما بين اغتيال الأسير المحرر مدحت الصالح في الجولان أمس وبين أحداث الشغب الإرهابي في بيروت الأسبوع الماضي، وتحريك جهة لبنانية عميلة عدوانياً في محاولة لجر حزب الله والمقاومة اللبنانية لحرب أهلية تعيد لبنان لفترة سبعينيات القرن الماضي، وما رافقها من اقتتال استدعى أكثر من تدخل خارجي، وإن كانت كل تلك التدخلات انكفأت خائبة مدحورة أمام عمليات المقاومة الكبيرة التي أخرجت القوات الأميركية والفرنسية والإيطالية وحلف شمال الأطلسي مدحورة مهزومة، فإن المخططات الراهنة تستهدف الدخول في آلية جديدة تحافظ على القوى الغربية ولا تستنزف مقدراتها وتدفع بالقوى الشعبية إلى أتون الحرب الأهلية، بحيث تتركز الخسائر البشرية في شعوب المنطقة وحدها، وتتحول بلدانها إلى دول فاشلة تتراجع فيها عجلة التنمية، ويموت النشاط الاقتصادي، ويتراجع التعليم وتدخل المجتمعات في مرحلة ما قبل الدولة.
هاتان الحادثتان ترتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً لا ينفصل عن المشهد الإقليمي العام، فالمواجهات المستمرة ما بين قوى البغي والعدوان من جهة، وبين قوى محور المقاومة وقوى التحرر من جهة ثانية بلغت حداً غير مسبوق من حيث النتائج، فالغزو الغربي لبلدان المنطقة أثبت فشلاً ذريعاً، ولم يعد بمقدور القوى الإمبريالية الكبرى زج قواتها المسلحة في معارك مباشرة والتضحية بعشرات الأفراد مقابل السيطرة على مقدرات اقتصادية وإستراتيجية كبيرة كانت أو صغيرة.
المتغيرات في المفاهيم على المستوى العالمي أسهمت في التأثير السلبي حتى على الدول والمنظومات التي أسهمت في إحداثها، فالقيم والسلوكيات الاجتماعية المستجدة عادت على مروجيها بعد تأثيرها على مجتمعاتنا وحكومات التحرر الوطني الخارجة عن سيطرة الغرب الاستعماري.
شنَّ كيان العدوان الصهيوني اعتداءات في مناطق ومساحات متباعدة في دول عربية مختلفة إضافة للحروب داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كانت نتائجها في بداياتها لصالح كيان الاحتلال، لكن الأمر ما لبث أن تغير بعد سنوات من نشوء محور المقاومة، وخاصة بعد حرب تموز ٢٠٠٦ التي كانت آخر الحروب الكبيرة، والتي لم يجرؤ الكيان الصهيوني على خوض حرب بعدها، فبعد خمس عشرة سنة اقتصر العدوان الصهيوني على مواجهات محكومة ومحددة، الأمر الذي انعكس بصورة مطابقة على كل عمليات الغزو والعدوان الغربية على المنطقة.
هذا الأمر فرض سياسات مستجدة تستجيب للمخططات الغربية، وتعيد القوة المباشرة لتلك القوى عبر وكلاء ومنظومات محلية.
وهكذا فمن المتوقع تزايد عمليات التحريض والتحشيد والتركيز على لبنان وسورية والعراق وإيران بشكل أساسي، دون أن يعني ذلك ترك بقية دول المنطقة دون تدخل.
وهكذا سنرى أكاذيب وروايات كثيرة تتحدث عن وقائع متخيلة، ضمن حوادث ومواجهات غايتها دفع مجتمعاتنا للمواجهة والاقتتال إلى أمد بعيد.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد