قصة الفلسفة هي رحلة البحث عن المطلق، والفلسفة في اليونانية هي محبّة الحكمة، والفيلسوف هو محب الحكمة وليس الحكيم لأن الحكيم هو الله، وهذا ما قاله فيثاغورث فالله مطلق بمعنى أنه قائم بذاته، وقائم بذاته يعني أنه بسيط غير مركب من أجزاء فلو كان مركباً من أجزاء لاحتاج لصانع أو موجود آخر فالله هو الصانع والخالق والكلّي، والقصة أي قصة تحتاج الى زمان ومكان، والزمان في قصة الفلسفة هو القرن السابع قبل الميلاد والمكان هو اليونان وبالتحديد جزيرة ايونيا وعند خوضنا في رحلة البحث المنطقي والمنهجي عن بدايات تشكّل الفلسفة بوصفها طريقة تفكير وتحليل للواقع والمحيط، نجد أن الفكر الإنساني مرّ بمراحل عدة حتى وصل إلى ما سمي عصر ما بعد الحداثة، ولعلّ نقطة التشكل تبدأ من الفلاسفة الاغريق الذين أطلق عليهم فلاسفة الطبيعة، من طاليس والسبعة من رواد تلك الفلسفة في القرن السادس قبل الميلاد حيث شكّلوا قطيعة مع عصر الأسطورة والخرافة ووضعوا المداميك الأولى لما سمي فلاسفة الطبيعة،وهم الذين يرون أن الطبيعة تتشكل من ماء وهواء ونار وتراب هي أصل الكون وأنها أي -الطبيعة -نتاج تلك العناصر الأربعة، وعليه لا يمكن تفسيرها إلا من خلال الموجود وليس الخيال وهنا تتعارض الفكرة عند برامندس الذي يرى أن العقل هو مصدر المعرفة وليس الحواس فالحواس قد تخطئ. او تخدع كالملعقة في الماء أو الإصبع الذي يخفي نور الشمس والموجود في الحاضر هو الموجود في الماضي وكذلك المستقبل فالكائنات تحافظ على كينونتها وإن تغيّر شكلها فالإنسان يكون طفلاً ثم شاباً ثم شيخاً ولكنه هو هو ولا يمكن الحديث عن اللاوجود فهو خيال غير قائم لأن الوجود يفسر نفسه، وإن أصل الوجود عند فلاسفة الطبيعة هو الماء أو ما سماه اللامتناهي أو الابيرون عند الكسيماندر والماء عند الكسمانس ويرى برامندس أن أصل الكون هو النار ومنها كان التراب وأن الإنسان أصله من التراب وهذا يتماشي مع النصوص الدينية وهنا يعتبر برامندس مؤسسة فلسفة الوجود.
وعاصر برامندس هيراقليطس في القرن الخامس قبل الميلاد ووصفه سقراط بقوله:إن ما تعلمته منه أقل بكثير مما لم أتعلمه وأهم ما عنده أن الكون هو في كينونة… أي كما هو موجود ولكنّه يتحول أو يتطور فيصبح في صيرورة أي من الثابت إلى المتحول فالكينونه ما كان قائماً والصيرورة كيف أصبح بالتطور فالكينونة كيف كان والصيرورة كيف أصبح فالتبدل هو من سمة الطبيعة والأشياء، فعند هيرقليطس ثلاثة أشياء تفسر الوجود، النار، التغيير ،أو الصيرورة ووحدة الأضداد أي الخير والشر الليل والنهار الحرب والسلام. الشتاء والربيع فلولا إحداهما ما كانت الأخرى فلولا الحرب ما كان السلام ولولا الشتاء ما كان الربيع ولولا الشر ما كان الخير ولولا القبح ماكان معنى للجمال أي تلازم الأشياء على تناقضها فهي واحدة، فالفلسفة هي أن ترى الأشياء بصورة أخرى أي بعين العقل لا بالحس أو الحواس أي تفسر الظواهر بصورة مختلفةوالإنسان طاقة أو نار تشتعل وتنطفئ أوأن الله يتجلى بالليل والنهار والشتاء والصيف فهو الكلي ويتجلى بكلّ مظاهر الطبيعة وأن الله هو العقل الكلي الذي يحكم الكون، ولكن المشكلة أن البشر يتصرفون كلّ على هواه، فهوالمصمم الذكي وإنه الطاقة الكلية فالنار ستأتي على كلّ شيء وهي (الله )أي الطاقة المنظمة التي تدير الكون يوم القيامة فتعيد تشكيل الحياة بصورة أخرى .
ولعل آخر الفلاسفة السبعة الطبيعيين هما امبيدو قليدس واناكساغوراس قد استطاع حل إشكالية أن لاشي يتغير أو كلّ شيء يتغير أي الخلاف بين هيروقليطس وبرامندس بالقول: إن الكون يتألف من أربعة أشياء وهي النار والتراب والماء والهواء ولا شيء خارجها ولكنها تتكامل ولا تختصر أي واحدة منها كلّ الأشياء الحاصلة في الطبيعة وتشكلها، فهذه العناصر الأربعة كالألوان يمكن أن ننتج منها آلاف الصور وكذلك المخلوقات فيها نسبة من كلّ واحدة منها فقد تجتمع أو تنفصل ولكنها لا تتلاشى فهي كلعبة المكعبات عند الأطفال قد تصنع منها بيتاً أو حيواناً أو شكلاً هندسياً بتركيبها وتفكيكها ويعطي امبيروقريدس مثالاً على أن الكون يتشكل من عناصر أربعة بقول: إنه شاهد قطعة خشب تحترق فلاحظ أصواتاً وهي الماء الموجود بعد احتراقه يتفجر ودخاناًهوالهواء وناراً هي ما شاهده حتماً والرماد هو التراب،اذاً هي أربعة عناصر ناهيك عن أن النار أو الحرارة وهي الشمس أساس في حياة كلّ الكائنات، فما أن تنتهي حرارته يموت الإنسان وكذلك كلّ كائن حي فكلّ شيء في الحياة هو نتاج اتحاد الأشياء الأربعة أو انفصالها، ويرى امبيرو قريدس أن الشيء الذي يحكم توافق واتحاد هذه الأشياء الأربعة،هما قوتان وليس عنصرين، الحبّ والكراهية، فعند الحب تتحد هذه العناصر وعند الكراهية تتفرق وتتعطل الأشياء .
إضاءات- د خلف المفتاح