يحمل المرء همومه ثقلاً على كاهله من أجل تدبر أمور حياته.. ويزداد شقاؤه إن رافقته روحه القومية في حله وترحاله، خاصة عندما يكون في غربة، ويعاني من قسوة الغرباء، ما يضاعف تمسكه بعروبته، شعور لا يساوره التسامي ذاته عندما كان داخل حدود جغرافية وطنه.
كثر من نُسبوا قدراً لأمة العرب أو الإسلام أو غيرها، وهم يعيشون جهل ما نسبوا إليه، فينطبق عليهم ما عاناه المتنبي عند شعوره بضياع عروبته، فأنشد قائلاً:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم
كثر اليوم يتلونون تجاه انتمائهم لعروبتهم، إن كان جهلاً قد تجد لهم العذر، لكن عندما يكونون ذوي عقل ومعرفة وتراهم ينحتون في حفر التاريخ بحثاً عن جذور مغايرة تدهشك آيات الشقاء التي يتمرغون بها، فهم كالواقف على سلم النسب لا يطول منطق العروبة والآخر لا يعترف له.
الصهاينة يعملون على تكريس الدين عنواناً للقومية، ولم يكن الدين يوماً معياراً قومياً.. وهم يلتزمون وفق مزاميرهم بصيغة القتل، فمن يقتل عرباً أكثر؛ يكون انتماؤه القومي أعمق.. لذا يعتمدون مبدأ الاغتيالات وسيلة لتعميق قوميتهم العدائية الدموية، ويمارسونها في كل الساحات.
رئيس وزراء الكيان المحتل لفلسطين نفتالي بينيت اعترف بأن جهاز الموساد هو الذي يأمر باستفزاز إيران، متباهياً باختطاف الجنرال المتقاعد (صبري) الرجل المتقدم في السن، رغم أن ذلك الاختطاف كرس حالة من الرعب تسود بين الصهاينة في سفاراتهم وقنصلياتهم وتجارهم من أصحاب الشركات والأموال، خاصة في قبرص.
ما يجهله بعض العرب الذين يدّعون العلم والثقافة، أن بينهم سفهاء، أقلامهم أكثر صهينة من بني صهيون أنفسهم، فهم حملة الجهل والغباء.. عليهم أن يفهموا أن فلسطين حاضرة وباقية وستتحرر رغم أنف أعدائها، وستكون لأهلها الطبيعيين وكل من غيرهم عابر وزائل لامحال.
قلوب الذين يتمسحون بذيول أثواب عاهرات بني صهيون، صيرورتها تَنْكِسْ بتراكم الصدأ والمعاصي الأخلاقية والسلوكية، فهي مفرزات الحروب الظالمة على الشعوب، عربية كانت أو غربية، حيث تنتفي أخلاق الناس الحميدة من التداول، ما يجعلها تتورط بسلوكيات غير إنسانية.
سلوكيات كريهة تطفو على وجه العلاقات البينية بين الناس، تبدأ بأفعال شائنة صغيرة، ثم تكبر لتجعل الهشاشة سمة سلوك المرء في حياته تجاه الآخرين، ويغفل القلب عن السمات الأخلاقية السامية، ما يأخذ بتلابيبه بعيداً عن السلام والسلامة، حتى يبدأ الاشمئزاز منه ومن تصرفاته.
محاربة العدو بلغته أياً كانت سياسية أو عسكرية، تعزز الروح القومية.. ما يجعل كل شيء يستحق المعرفة ولا يمكن تعليمه؛ لابد للمرء من أن يبحث عنه، حتى لو احتاج جهداً طوال عمره ليمتلئ قلبه بالأمان، فأجنحة الفرح قد تحمل المرء إلى آفاق لا يعرف كنهها إلا بالتعرف عليها.
عندما تموت الثقة بالوعود، تفتر الروح القومية بنظر الآخرين، وتطفو أمامهم مصلحة أناه الخاصة، كما وعود أردوغان لبوتين، حتى لتصبح جنائز محمولة على أكتاف عمره مرة إثر مرة، فالنكث بالوعود يقزّم قيمة المرء.. أردوغان فقد هيبته والثقة به أمام شعبه والغير.
كل ما يجعل قيمة المرء تترنح في عيون الآخرين، يكون نتيجة قوميته المصابة بالفتور والهشاشة المطلقة.. التي تفقده معاني الحياة ليصير صورة باهتة في عيون الرأي العام، بالذات إن كان يحلم بالتمايز والبروز من الصفوف الاجتماعية المتقدمة.. ليكون على رأس الهرم..
إضاءات – شهناز صبحي فاكوش