الثورة أون لاين – رياض طبرة:
للمرة الأولى تشدني رواية لأضع خاتمة مناسبة لها فلا أفلح , وأظل مشتت العواطف والأفكار , تأخذني العقلانية إلى مستوياتها العليا والدنيا تارة , ثم أهبط مع الغرائز انتصاراً لطبيعة الإنسان ومكوناته الأساسية من لحم ودم تارة أخرى , ولا أجد مناصا من أن اتابع السرد مع الراوي .
الرواية للكاتبة لوريس الفرح وعنوانها يشي بجغرافيا السرد (خلف ستائر فيينا) ويفصح عن أحداث مختلفة خلف تلك الستائر, ليس بمقدورك أن لا تتفاعل معها لاسيما إن كنت واحداً ممن انتصر للحب وجعله في المقام الأول .
تنتمي هذه الرواية إلى الرومانسية بكل مدلولات الانتماء , فهي سلسلة من الآلام والمواجع بل الفواجع لحزمة من الشخصيات وصلت إلى حد الهزيمة والانكسار دون أن تحقق ولو لحظة فرح قابلة للديمومة .
ريم وتيم بطلا قصة حب متميزة لا شيء يشغلهما عن الحب إلا الحب نفسه فكلاهما من أسرة مدنية تحترم الحب وقواعده ولا ترى فيه عيباً اجتماعيا أو نقيصة , بل هي فضيلة وميزة إضافية لأسرة دمشقية امتدت فروعها إلى فيينا للدراسة ثم للعمل.
يعترض هذا الحب الداء وعدم إمكانية الإنجاب , فيقع العاشقان ضحية أمر خارج عن إرادتهما , ريم تضحي من أجل حبيبها فلا تقبل بالزواج منه بلا إنجاب , تتركه وتفرّ إلى فيينا وتشترط عليه أن يتزوج من غيرها وينجب لكي تظهر من جديد في حياته …ولكن من هي الفتاة التي تقبل أن تكون الزوج الحاضنة ؟
لين فتاة طموحة تفيض أنوثة وجمالاً تحظى بقبول عائلة الأسمر لتعيش مأساتهم وهي تكافح لبناء ذاتها عبرهم , فالسفر والحياة في فيينا مقابل وتعويض كبير عن أي دور أو مهمة في الحياة , لكن رياح تيم لم تأت كما اشتهت سفن لين , بل جاءت حارقة خارقة , إذ وقعت لين في حب شقيق زوجها رامي , نظراً لانشغاله بشكل كلي عنها وانصرافه إلى مداواة ريم الحبيبة التي ضحت من أجله .
رامي نفسه لم يكن يدري أن الشفقة التي دفعت به إلى هذا المنسوب العالي من الرقة والاحتضان لزوج أخيه ستدمره وترميه بين ناري الأخلاق والعاطفة.
كان ظنه وهو العاشق لتالا الأردنية التي تعيش معه قصة حب قابلة للزواج ولا شيء يقف في طريقها أن مهمته بسيطة وستنتهي بتعامل تيم مع لين تعامل زوج لزوجه كما يتطلب مقتضى الحال , لكنه يكتشف أن أخاه لم يعط زوجه أي حق من حقوقها بل ظل أسير ريم الحبيبة التي أخذ مرض قلبها يتصاعد مع كل حدث يخص تيم , ولاسيما بعد زواجه الصوري وبقاء لين عذراء ثم اغتصابها من قبل زوجها ، بعد حملين أولهما كاذب وآخر كان سبب ما لحق العائلة من بؤس وشقاء.
لم يفلح أسامة ولا هالة في حل مشكلة التنازع بين تيم ورامي على لين ولاسيما بعد موت ريم وخروج تالا من الحدث والقصة والدور المدمر الذي لعبته للانتقام من رامي ولين .
في حدود ما قرأت من روايات سورية وهي ليست قليلة هذه الرواية انفردت بموضوعها إذ اقتربت من علاقات تحاشى المجتمع الحديث عنها ودان أي شذوذ يمكن أن يستهدف قدسية العلاقة الأسرية , فزوج الأخ أخت والنظرة إليها تحمل معاني سامية كثيرة , وفي حميميتها تمتين للروابط العائلية ولاسيما في المجتمعات الريفية التي تحرص على إشاعة هذه القيم .
ثم هي رواية والأصح أنها قصة طويلة لأسرة انهزم معظم أفرادها ولم يحققوا ما يطمحون إليه , فهل هي قصة الانسان نفسه كما وردت في الكتب المقدسة ؟ أي قصة هابيل وقابيل , ربما ؟
ومهما يكن من أمر المضمون وهو خطوة جريئة باتجاه احترام حقوق المرأة والتعامل معها على أساس من العدالة , فإن البناء الفني للرواية والذي لم يخرج عن السرد والوصف العام إلا قليلاً جاء موفقاً في تراكم الحدث والدخول إلى عوالم داخلية لا يقوى على دخولها إلا المرأة .
هل انتصر الحب في الرواية كما أرادت الكاتبة , أم أنها أرادت إدانة الأنانية ونجحت في ذلك عن قصد أو غير قصد ؟
لقد عرت الرواية النفس الانسانية وأظهرت ما فيها من دونية , ولولا تردد رامي لكانت اللوحة قاسية جداً .
ولا أقصد تلك النفوس التي كانت في الرواية وحدها بل أقصد القارئ الذي سيجد نفسه متعاطفاً مع لين هذه الشخصية التي انتزعت البطولة أو جاءتها على طبق من فضة , وهي وحدها من أرادت تحطيم قيودها لكنها أخفقت وأخفق المشهد الختامي في القصة أن يعطينا من الهارب من المكان …