يقر الكثير من المسؤولين الأميركيين بأن بلادهم فشلت بتحقيق الأجندات والأهداف السياسية عبر العدوان العسكري المباشر في العديد من المناطق، وكذلك لم تنفع سياسة العقوبات، والضغط، والاستفزاز، والتحرش العسكري، في إخضاع دول تضعها الولايات المتحدة في خانة الخصوم الأعداء ” روسيا والصين وإيران وغيرها”، وهذا الفشل المتراكم، هو ما يدفع واشنطن للنظر في إمكانية إعادة ترتيب وجودها العسكري الاحتلالي، ليس لتصحيح مسار سياساتها الخاطئة، وإنما لإعطاء نفسها مساحة أوسع للمناورة، لمحاولة احتواء المتغيرات الحاصلة في موازين القوى العالمية التي باتت تهدد دورها كدولة عظمى.
إدارة بايدن تغلف سياستها الخارجية بالكثير من الضبابية، فتعطي إشارات متناقضة إزاء ماهية تعاطيها مع الكثير من الأزمات والملفات الدولية الساخنة، وفي المقابل تعطي حلفاءها وأتباعها دور الوكالة لتنفيذ أجنداتها السياسية والاقتصادية، فيما تحاول هي إيجاد مخارج لائقة تؤمن انسحابها العسكري التدريجي لتقليل حجم الاستنزاف الذي بات يثقل كاهلها اقتصادياً.
الدور الأميركي المعطى “للحلفاء” ظهر أكثر وضوحاً من خلال البيان الرباعي المشترك الذي أصدره كل من جو بايدن وأنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون وبوريس جونسون، على هامش مشاركتهم في قمة مجموعة العشرين في روما مؤخراً، وحمّلوا من خلاله إيران مسؤولية عدم الالتزام بالاتفاق النووي، علماً أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا كانت على خلاف ظاهر مع الولايات المتحدة طوال السنوات القليلة الماضية بسبب انتهاك واشنطن لهذا الاتفاق، وليس طهران، فما الذي تغير الآن؟، ألا يشير ذلك إلى أن إدارة بايدن ليست جادة بمسألة العودة إلى الاتفاق، وتريد تجريب أسلوب ضغط جديد، ولكن عبر حلفائها؟، وإلى ماذا يشير تحذير هذه الدول من ” تصعيد خطير” بحق إيران، سوى بفرض المزيد من العقوبات، بدل التزامها برفع كامل العقوبات المفروضة، كما ينص بنود الاتفاق الذي لم تلتزم للحظة ببنوده، خلافاً للالتزام الإيراني، إذاً فـ”الحلفاء” الأوروبيون يريدون فرض الشروط الأميركية في الجولة القادمة من محادثات فيينا، لأن واشنطن تبحث عن بديل لهذا الاتفاق، وهذا لن يتحقق.
أميركا تعقد لقاءات متعددة مع روسيا، للوصول إلى تفاهمات تساعدها في النزول عن أعلى الشجرة بعدة ملفات دولية، ولكن في الوقت ذاته تمارس سياسة التصعيد والاستفزاز العسكري بحقها لمحاولة لي ذراعها، حيث تحشد ذراعها “الناتو” للتحرش بها، إلى حد قد يصل لمرحلة التصادم، ولكنّ أتباعها الأوروبيين هم من سيدفعون الثمن بحال أي اشتباك سياسي أو عسكري، وتحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن الصواريخ الأميركية في أوروبا تشكل تهديداً خطيراً لبلاده، يعني أن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي بحال ارتكبت أميركا و”الناتو” أي حماقة عسكرية، وهنا فإن أوروبا هي من ستدفع الثمن، لأن الرد سيكون على أراضي الدول التي تنتشر فيها تلك الصواريخ، وبالتالي فإن تبعات الفشل سترتد على تلك الدول، وهذا يدل على أن واشنطن ترفع سقوف التصادم عالياً، ولكن عبر حلفائها، لتتجنب المزيد من الخسائر، فهي باتت متيقنة من أن سقوط تلك السقوف ستصيبها أولاً، وتخلخل توازنها بحال أي مواجهة مباشرة في المرحلة القادمة.
نبض الحدث -بقلم أمين التحرير ناصر منذر