منذ العرض الأول لفيلم (أفاتار) في الولايات المتحدة أواخر عام 2009 أحيط بكثير من الكتابات، وفي الفيلم ما يبرر وفرة الكتابة عنه: الفكرة، الخيال، الصورة، التقنيات، الموسيقا، الحوار، التمثيل، الإخراج باختصار: كل ما في الفيلم، لقد صنع المخرج الكندي (جيمس كاميرون) عالماً خيالياً افتراضياً أسقط عليه واقعاً معاصراً، وهواجس مبررة، وأملاً بتحقيق النجاح على سياسات تقود لتدمير عالمنا، وإفناء بيئته.
لتحقيق غايته تلك جمع كاميرون لفيلمه أفضل متطلبات صناعة فيلم استثنائي بلغت كلفة انتاجه 230 مليون دولاراً ما جعله من أكثر الأفلام تكلفة في تاريخ السينما، ومحطة مميزة فيه، وقد ضمنته الدكتورة مانيا سويد في كتابها الهام المترف بمعلوماته وصياغته (سينما وأدب في 100عام) مع مئة فيلم انتقتهم على امتداد المئة سنة التي تبدأ عام 1915 من إقليم الباسك شمال إسبانيا بصحبة فيلم كارمن الذي وصفته بالعرس الأدبي السينمائي الصامت الساحر، وانتهاء عند السينما الرقمية والعالم الافتراضي.
عالم (كاميرون) المتخيل يلي زماننا بعقود كثيرة، ومكانه يبعد عن أرضنا سنوات سفر طوال، إنه يقوم على كوكب مفترض يقطنه سكان بدائيون – أو هكذا نعتقد بداية – تتجاوز قامة الواحد منهم ضعف طول قامة الإنسان الأرضي، ويبدو نسخة مشوهة عنه بلونه الأزرق وتفاصيل وجهه وذيله الطويل وجسده العاري إلا من قليل الثياب، ومع ذلك فإن عبقرية المخرج تدفع المشاهد للتعاطف مع أولئك المخلوقات ذوي الأشكال الغريبة ضد أشخاص يشبهونه شكلاً، مثلما تدفعه للانحياز إلى عالم الطبيعة البكر في وجه التقنيات الحديثة المنفلتة من العواطف و المشاعر الإنسانية، وهو ما عبرت عنه دموع انهمرت في صالات العرض أمام مشهد الشجرة المحترقة إثر هجوم طائرات الغزاة الأرضيين (رجال الجو).
من بعض أسباب نجاح الفيلم، بل في مقدمتها، بساطة فكرته: قوم يعيشون في حالة تناغم كامل مع محيطهم البيئي إلى حد الاتحاد التام معه، تحكم حياتهم الآمنة أعراف وتقاليد اختاروها ورضوا بها تؤكد احترامهم للطبيعة الأم، لكنهم لسوء الحظ يعيشون فوق أرض غنية بثروات يطمع بها الغزاة الأرضيون والذين يختلقون مختلف الحجج لسلب السكان الأصليين أرضهم وثرواتها المخبأة، تارة بدعوى تمدينهم وخلق أسلوب حياة جديدة لهم، وتارة أخرى بإعلان الحقيقة مجردة: إذا كان في أرض ما شيء نريد الحصول عليه، فإن الذين يعيشون فوق هذه الأرض يصبحون أعداء لنا.
التقط معظم من كتب عن (أفاتار) هذه الفكرة الواضحة الجلية، بل إن أبناء الضفة الفلسطينية تشبهوا في إحدى مظاهراتهم ضد جدار العزل العنصري حين عرض الفيلم بشعب (نافي) سكان كوكب (كاميرون)، استجابة لنداء أطلقه أحد النشطاء المعادين للاحتلال بضرورة أن يتبنى الفلسطينيون مغزى الفيلم الذي يحكي عن نضال شعب ضد الاحتلال، ارتدى المحتجون اللون الأزرق مع أزياء شخصيات الفيلم الخاصة من الكوكب الخيالي (باندورا)، وبينما جذبت تلك المبادرة أنظار الصحافة والمصورين، كان رد الاحتلال بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع التي أطلقت عليهم، أحد الفلسطينيين المتظاهرين قال لصحيفة (لوس أنجلس تايمز): (نحن هنا أفاتاريون ونافيون نحارب ضد المحتلين الذين يسرقون أرضنا ويحتلون شعبنا، نحن هنا ولسنا منتجاً من هوليود، ما يجري هو حقيقي ).
التقط معظم من كتب عن (أفاتار) هذه الفكرة الواضحة الجلية باستثناء (ناقد سينمائي)!! في محطة تلفزيونية عربية – إلى حد ما – جلس هذا (الناقد) أمام الكاميرا كالطاووس متكئاً على أحد مرفقيه ليقول بعجرفة حازمة جوفاء: (إن الفيلم يمثل تيارات منتشرة في عصرنا تدعو لعبادة الطبيعة.. لذلك فأنا أرفضه!!).
إضاءات -سعد القاسم