في سؤالٍ عن معنى الوعي، يذكر “يوهان كلاينر” المختص في الفلسفة الرياضية: (إن تعريف الوعي الدقيق رياضياً قد يكون أن الكون ممتلئ بالتجارب الشخصية).
ذات كتابٍ، أكّد إميل سيوران عن أهمية أن يكون للمرء قصة يرويها في نهاية المطاف. فالحياة لا تُحتمل دون وجود تلك القصة، وما ذلك إلا لأنها تمنحنا وهماً عن أهميتنا “المزعومة” في الكون.
بالنسبة لـ”بيتر سلوتردايك” في حديثه عن معنى الوجود، يرى (المزيد من التحضر وكثرة الذهاب إلى السينما والمساكن الجميلة والطرق السيارة الواسعة والغذاء الأفضل ليست كلها هي أيضاً تحقيقاً للوجود. إذ إن ما هو “صادق” سيكون دوماً شيئاً ما مغايراً. لابد أن تعرف من أنت).
ويبدو أن عبارة “شيء ما مغاير”، هي الأحب إلى قلبها.. والأكثر ملامسة لروحها.. مع أن طروحات “كلاينر” و”سيوران”.. تداعب ذاك المغاير..
مع كل التجارب الشخصية، القصص التي نحيا، ورغبتنا الشديدة بأن نكون تحقيقاً للوجود، هل نتلمس ذواتاً حقيقية لندرك فعلياً من نحن..؟!
وهل نتساءل ضمنياً: من نحن، بعيداً عن الوسط الاجتماعي والإنساني الذي يحيط بنا..؟
وعينا، أهميتنا، وحتى وجودنا.. كلها تتحدّد بتفاصيل صغيرة.. لكنها قادرة على إحداث الفرق.. حين يُنظر إليها من خلال عينٍ تستطيع صيد المدهش، المفارق.. وأيضاً الاستثنائي القادر على تحديد خصوصيتنا، أو بصمتنا التي ستكون دوماً شيئاً ما مغايراً.
شيءٌ ما مغاير.. تبدو عبارةً “كطريدة” من نوعٍ خاص.. بحثاً عن تفرّدنا..
فليس الجميع قادرين على إبصار ذاك (الشيء المغاير)..
ليس لديهم مهارة صيده.. أو مجرد الرغبة بلقائه..
بالنسبة لها، كل ما يتهافت عليه المحيطون لا يثير رغبتها.. إنما نفورها..
وتغرق بحثاً عن ذاك “المغاير”..
تعلم يقيناً أنه كلما خلا من زخرفات الظاهر وتقليد الآخرين، كان أكثر قبولاً لديها.
صيد شيء مغاير.. عبارة يتطابق إيقاعها داخلياً مع فعلها خارجياً..
وكلما عثرت عليه داخلها توقعت لقاء ما يماثله في المحيط الخارجي..
إنه فعل التنقيب.. وسهمه الذاهب في الاتجاهين..
ما قيمة معرفة “من نحن”.. وما أهمية معرفة “الوعي”.. وما فائدة كل قصصنا، إن لم تكن محمّلة بلوثة احتضان السعادة والقدرة على عيشها عبر معرفة اكتشاف تمايزنا وربما تميزنا عن سوانا..؟!
رؤية- لميس علي