الثورة – د. مازن سليم خضور:
كنا في سلسلة الحرب الأخرى نشرنا مقالا بعنوان “الرهان القذر آخر حروب الجغرافيا” وتحدثنا فيه عن الرهان القذر للمليشيا الانفصالية و كأن درس أفغانستان الأخير لم يكن واضحاً و جلياً بالنسبة لها! وقد يكون أنها غضت الطرف هروباً من تصديق مشهد ترك “الولايات المتحدة” أدواتها التي تعاملت معها في أفغانستان، وترحيل القسم القليل منها فقط رغم الخدمات الواسعة خلال سنوات الاحتلال.
“الدولة العظمى” رحلّت كل معداتها وآلياتها وحتى كلابها البوليسية المدربة بالطائرات الخاصة، قبل “العملاء” المتعاملين ! “توأم” ميليشيا “قسد” في أفغانستان انتهى بهم المطاف يتساقطون من عجلات الطائرات الأمريكية بعد تركهم، في مشهدٍ لم نرَ مثيله إلا في أفلام الرعب الهوليودية .
رهان “قسد” يبدو مستمراً تعكسه ممارساتها الظالمة بحق أبناء الجزيرة السورية، التضييق والاعتقال والاقتياد إلى معسكرات التدريب مستمر، و كذلك هي جرائم سرقة مقدرات الشعب السوري و الاستيلاء على الأبنية الحكومية وإغلاق المدارس والاستمرار في احتجاز حرية الزميل محمد الصغير و ممارسة أبشع الجرائم بحقه.
منذ أيام قليلة كان هناك وقفة تضامنية أمام مبنى اتحاد الصحفيين قي العاصمة دمشق، تضامناً مع الزميل “محمد الصغير” مراسل قناة الإخبارية السورية المختطف من قبل ميليشيا قسد منذ ٣/٦/٢٠١٩ بتهمة باطلة (حرق المحاصيل الزراعية).
كيف لصحفي مهمته توثيق الحقيقة أن يرتكب مثل هذا الفعل؟ وهو من عمل قبل أيام من خطفه على توثيق جريمة حرق تلك الميليشيا لمحاصيل السوريين؟.
كيف لصحفي وثق قبل اعتقاله سرقة تلك الميليشيا للنفط السوري، و وثق جرائم كل الفصائل الإرهابية الموجودة في الجزيرة السورية بحق المواطنين، من تنظيم “داعش” الإرهابي و”قسد” وبمختلف المسميات، أن يقوم بهذه التهمة الموجهة له زورا وبهتانا؟ وهو وبكل الأحوال ما يفسر سبب اعتقاله الحقيقي من قبل “قسد”.
“الصغير” كان قد دخل مدينة الرقة السورية عندما كان مجرد طرح فكرة الدخول اليها شيء مخيف و شبه مستحيل، لما ارتبطت به من عنف ووحشية بزمن سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي عليها، ووثق الانتهاكات الحاصلة وعمليات الاغتصاب بحق النساء والأطفال في المنطقة، ودخل إلى الرقة مرة ثانية بعد أن دمرها ما يسمى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و وثق جرائم تدمير المدينة وسرقة الأثار، كما رصد حالات سرقة الأعضاء و الاتجار بها عبر سلسلة مواد تلفزيونية عرضت ضمن مجموعة حلقات من برنامج “خارج العاصمة”.
جريمة اختطاف “مراسل الاخبارية” تمت على طريق القامشلي الحسكة على يد المليشيا الانفصالية في ٣/٧/٢٠١٩ لينقطع الاتصال به بشكل شبه كامل، ترافق مع صمت مؤلم لجميع المؤسسات الدولية التي تعنى بالصحفيين والإعلاميين!.
عملية البحث عن الزميل “محمد الصغير” لم تتوقف بهدف معرفة مكانه، و بعد مايزيد عن العامين من الاختطاف وبعد محاولات عدة، تمكن ولده “بشار” من اللقاء به ولكن في البداية لم يتمكن الزميل “محمد الصغير” من التعرف على ابنه بسبب تردي وضعه الصحي والنفسي جراء الاختطاف و التعذيب، “النحولة” الشديدة وتغير ملامحه وآثار التعذيب الواضحة على وجهه وجسده لم تمنع هذه “الميليشيا” من الاستمرار في جريمة خطفه و تعذيبه! خاصة أن الزميل “الصغير” تعرض لأكثر من جلطة دماغية أيضاً، ليتبين لاحقا أنه تم إجبار الزميل “محمد الصغير” على الاعتراف بتهم وجرائم لم يرتكبها، تحت التعذيب مستغلين ظروفه الصحية و النفسية السيئة، لتصدر بحقه إحدى المحاكم غير الشرعية حكم “٢٥ سنة” سجن !! في مشهد ظالم يعكس حجم الازدواجية في تعاطي المنظمات الدولية و الإنسانية.
وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد تحدث خلال المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين عن جريمة الخطف وقال : “لو كان هذا المراسل يعمل لدى وسيلة إعلام دعائية غربية لكانت استنفرت له كل المنظمات الدولية، و”هيومان رايتس ووتش”، و”أمنيستي إنترناشونال” وغيرها”.
“الإخبارية السورية” نشرت بيانا بعد تداول أخبار عن وفاة الزميل “محمد توفيق الصغير” قالت فيه: “رداً على الحملات التضامنية مع مراسل الإخبارية السورية محمد الصغير، وتصاعد الاهتمام الدولي وارتفاع الأصوات الحرة المطالبة بإطلاق سراحه من معتقلات ميليشيا “قسد” المدعومة، تقوم الميليشيا المدعومة أمريكياً بتسريب أخبار كاذبة عن وفاته في معتقلاتها على منصات وسائل التواصل.
تؤكد الإخبارية بناء على معلومات مؤكدة وموثوقة أن مراسلها المختطف محمد الصغير على قيد الحياة، رغم تردي وضعه الصحي والنفسي منذ مدة، وهي تجدد تحميل “قسد” ومشغلها الأمريكي المسؤولية الكاملة عن حياته وسلامته وصحته وحريته.
تجدد الإخبارية السورية مطالبتها بإطلاق سراح الزميل المراسل محمد الصغير وتأكيدها أن مثل هذه المحاولات الرخيصة من قبل “قسد” للتشويش على تحركها لن يدفعها إلى الصمت، أو يثنيها وكل صوت حر عن المطالبة بإطلاق سراح الزميل محمد الصغير فوراً”.
يبقى الأمل حاضراً بأن يعود الزميل “محمد الصغير” سالماً حراً و كذلك هي خطوات المطالبة و العمل على اطلاق سراحه، في وجه “الرهان القذر”.. بأن تغيب الكلمة الحق و تُكسر حروفها.