فشل قانون الحراج في حماية الغابات من الحرائق التي التهمت ألاف الدونمات من الغابات الحراجية، ولكنه نجح في منع استثمار كثير من الثروات المدفونة في الأرض، ومنع قيام كثير من الاستثمارات التي تعتبر من طبيعة الغابات.
المبدأ الأساسي لإعداد قانون حراج ينطلق من أمرين، الأول حماية الغابات، والثاني حق المجتمع المحلي المحيط بالغابات بالاستفادة من الغابات، وأي خلل في هذين المبدأين سيحول المجتمع المحلي للغابات إلى عدو مباشر لها، وهذا الأمر كان سبباً في حرق كثير من المواقع الحراجية نتيجة حالة العداء التي تعامل بها عناصر الضابطة الحراجية مع المجتمع المحلي .
حماية الغابات لا تكون بمنع الاستثمار فيها، ولا بمنع استثمار الثروات المدفونة في الغابات، حماية الغابات تكون بتنظيم وقوننة استثمار الثروات الباطنية، وبإقامة استثمارات من طبيعة الغابات، كمشاريع تربية الحيوانات، وإقامة مراكز النقاهة الصحية والاستشفاء والمطلات الجبلية والمنتزهات، وتجميع وتصنيع النباتات الطبية وغير ذلك من الاستثمارات المناسبة.
الصخور الرخامية كنوز مدفونة في الجبال والوديان التي تغطيها الغابات كما في كل دول العالم، وفي طبيعة ايطاليا نموذج مماثل لطبيعتنا، ووصل الرخام الايطالي بسمعته وشهرته إلى معظم دول العالم، فيما يمنع قانون الحراج استثمار ثروات رخامية في الساحل السوري مقدرة بأكثر من أربعة مليارات دولار أميركي، واستثمار هذه الثروة لن يؤثر على الغابات فيما لو تم استثمارها بشكل صحيح. ولكن عدم استثمار هذه الثروة سيحرم الناس في تلك المناطق من فرص عمل ودخل يوفر لهم عيشاً كريماً.
في إيطاليا والعديد من البلدان مئات المقالع الرخامية في قلب الغابات ولا تمنع القوانين عملها، وإنما تنظمه بطرق صارمة بحيث يتم إعادة تأهيل أماكن استخراج الصخور بناء مصاطب وتشجيرها وتأهيلها لتُسلم بعد سنوات أماكن جاهزة للاستثمار السياحي .
مئة مقلع تعمل لعشرات السنين لا يمكن أن تدمر من الغابات ما دمره حريق واحد، والعمل بمقلع لأكثر من عشر سنوات لا يأخذ من الأرض أكثر من مساحة دونمي أرض، ولكنه يُنتج صخوراً بمبالغ كبيرة ويُشغل عائلات بأكملها ولن يؤثر على الغابة أو البيئة، بل يُمكن أن يُحسنها فيما لو تم وضع إجراءات صارمة لإعادة تأهيل تلك المواقع .
بزمن إعادة الإعمار تحتاج سورية لكميات كبيرة من الصخور الرخامية فهل نخصص القطع الأجنبي لنستوردها، أم نستثمر مقالعنا ونوفر القطع الأجنبي وفرص العمل و تكاليف عالية ؟.
الجميع يطالب بحماية الغابات، كما يطالب باستثمار ثرواتها والاستفادة منها، ومن الطبيعي استثمار ثرواتها وتحسين ظروف حمايتها وتأهيلها، ولكن من غير الطبيعي أن نحرم مجتمعات الغابة من الاستفادة منها ونتركها هكذا لتحترق بعد زمن.
على الملأ -بقلم مدير التحرير معد عيسى