كما في سيارة الأجرة

حين صعدت إلى جواره، كان سائق سيارة الأجرة مستغرقاً كلياً مع ما يسمعه من مذياع سيارته، وبما أن الوقت منتصف النهار، وآخر الأسبوع، كانت السيارة تتحرك ببطء شديد في ازدحام الشوارع تاركة المرء بين خياري الانتظار الممل، أو مشاركة السائق فيما يسمع، واخترت الأمر الثاني..

كان هناك مذيع وضيف وحوار بينهما عن المسرح يتنقل من تاريخه، إلى تجاربه المعاصرة، والمعاصرة جداً، وصولاً إلى أزمته، أو أزماته الراهنة، واقتراحات الحلول لها، حوار مليء بالمعلومات وبالآراء التي تشير إلى عمق معرفة الضيف، وسعة اطلاعه مما أثار فيّ الفضول لمعرفة هويته، لكنني آثرت عدم قطع استغراق جاري منتظراً فرصة مناسبة لسؤاله، وجاءت الفرصة بعد دقائق حين أعلن المذيع عن فاصل قصير أذيعت خلاله أغنية لا علاقة لها بالمسرح، ولا بالثقافة، ولا بالفن ولا بالغناء فسألته بشيء من الحذر عمّا إذا كان يعرف من هو المتحدث..

ما كنت لأندهش لو أجابني باسم الضيف وأتبع ذلك بتعليق هام عما كان يحكي عنه، ففي سيارات الأجرة بدمشق تلتقي كثيراً بسائقين يتحدثون بدراية في مواضيع شتى ومنهم من يهتم بالثقافة ومنهم من يحمل شهادات جامعية، لكن جاري أدهشني حين أجابني بثقة وجدية كاملتين أن من سألت عنه هو مسؤول في وزارة الزراعة يحكي عن مواضيع الري ومشاكل النباتات، ومضى مسترسلاً في هذا الخط، وربّما زاده صمتي حماسة، فأضاف أن المسؤول الزراعي تحدث أيضاً عن الشركات التي تشغل عمالاً ولا تقوم بالتأمين عليهم، ولم يتوقف عن الحديث إلا مع انتهاء الفاصل الغنائي، وعودة المذيع لتقديم ضيفه بأنه الكاتب والصحفي فلان، لكن تلك المعلومة لم تدفع السائق لأكثر من تصحيح هوية الضيف مردداً تعريف المذيع: إنه كاتب وصحفي، دون أن يتراجع عن باقي حديثه..

لم يكن في مظهر السائق ولا في نبرة صوته ما يوحي بالسخرية، كان يتحدث بجدية تامة، واقتناع كامل لدرجة أنني افترضت أنه كان يستعيد حديثاً سمعه قبل حديث المسرح، وأنه كان في حالة شرود حين فاجأته باستفساري فقال ما قال، وربّما لم يكن هناك ما سمعه أصلاً فابتكر حديثاً من خياله حتى لا يجيب بكلمتي (لا أعرف) التي يكره كثيرون استعمالها ويفضلون قول أي شيء خاطئ بدلاَ عنها، حفاظاً على مظهر العارف بكلّ شيء، أحد الأصدقاء الذين رويت لهم الحادثة كان مقتنعاً أن السائق لم يكن يسمع أصلاً ما يقال في الحوار الإذاعي فهو لابد كان شارداً مشغولاً متفكراً في هموم الحياة، وأن حديثه لي كان مما يدور في رأسه تلك اللحظة، صديق آخر أستغرب استغرابي من حالة يراها شائعة الانتشار، فكم من حديث ينقل عل نقيض حقيقته، وكم من حدث تقلب حقائقه، وكم من شاهد شهد على شيء لم يشهده، ووجد من يوفر له منبراً يطل منه على الناس، فيقوّل أمواتاً أقوالاً لم يقولوها في حياتهم، ولم يكن موقعه بالنسبة لهم أصلاً ليسمح له بسماع شيء من أقوالهم.

قد يكون سائق سيارة الأجرة أختلق حديثاً ليداري على شروده، أو عدم معرفته، لكن هناك من يختلقون أقوالاً لقلب الحقائق، ولتبييض صورهم الشخصية، مستغلين أن من يستشهدون بأقوالهم قد غادروا دنيانا.

إضاءات -سعد القاسم

 

آخر الأخبار
أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان  نيوز ويك.. هل نقلت روسيا طائراتها النووية الاستراتيجية قرب ألاسكا؟       نهاية مأساة الركبان.. تفاعل واسع ورسائل  تعبّرعن بداية جديدة   تقدم دبلوماسي بملف الكيميائي.. ترحيب بريطاني ودعم دولي لتعاون دمشق لقاء "الشرع" مع عمة والده  بدرعا.. لحظة عفوية بلمسة إنسانية  باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد دمشق منفتحة على التعاون مع "الطاقة الذرية" والوكالة مستعدة لتعاون نووي سلمي حركة تسوق نشطة في أسواق السويداء وانخفاض بأسعار السلع معوقات تواجه الواقع التربوي والتعليمي في السلمية وريفها افتتاح مخبز الكرامة 2 باللاذقية بطاقة إنتاجية تصل لعشرة أطنان يومياً