الثورة – حمص – رفاه الدروبي:
” في الحفرة” عمل مسرحي درامي راقص قدَّمته فرقة أوركيديا فأمتعت الجمهور الحمصي نتيجة خروجه عن الروتين المألوف بقصة طرقت باب الواقع بقوة رافقه عرض استعراضي متقن ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الرابع والعشرين وبالتعاون بين مديرية المسارح والموسيقا والمسرح القومي تأليف عبيدة بيطار وإخراج أيهم عيشة كان اليوم قبل الأخير للمهرجان قد ضمَّه مسرح قصر الثقافة بحمص.
المخرج أدَّى دور المجنون يدخل إلى المسرح وبيده الشموع ترافقه فرقة مؤلفة من سبعة عشر راقصاً وراقصةً يضعون أقنعة بيضاء على وجوههم ويرتدون ملابس سوداء وكأنَّهم أشباح وكلُّ من يلج إلى المكان يسقط في الحفرة وتدور الأحداث حيث تؤدِّي الممثلة مايا نصرة دور”بسمة” تربطها علاقة حب مع الطبيب إحسان يلعبها مصطفى عبيدو المتزوج من المحاميَّة جوليا لعبتها سارة الأرناؤوطي وتشتدُّ الأحداث كل واحد منهم له زلَّاته يلتقطها المجنون خاصة أنّه أول من وقع بالحفرة واعتبرها مدينته المثالية واكتشف خفاياها بينما الضابط يشعرهم بالديمقراطية ويحذِّرهم من الإفراط بها للخروج من الحفرة المأزق لكنّها لا تخلو من الحبِّ والصدق وخلال جدال ونقاش حاد يضطرُّ سامر لإزاحة الصخرة فتسقط جدران الحفرة عليهم ويفارقون الحياة.
لجنة التحليل والنقد الدرامي للمسرحية عرَّت وفنَّدت العرض بموضوعيّة من كافة النواحي وقدَّمت مجموعة نقاط قوة وضعف أبرزها في الجلسة جمهور الصالة ورأوا أنَّ النصَّ لطيف رائع بإخراجه ووقعوا بحفرة الجمال والإبداع واشتاقوا للوحات راقصة واسكتشات جميلة جعلتهم يلهون بخيال الديكور ما خفَّف عنهم الواقع المأساوي المعروض في المسرحية، لافتين إلى أنَّ المكان حفرة شرطيَّة شدَّت الجمهور بموسيقا وإضاءة ذات تأثير متسائلين عن عدم طرح بصيص أمل يتسلَّل إلى قلوب الشباب لم يلمسوه أثناء العرض؟! لممثلين أقنعوا الحضور، وأضافوا: إنه لابدَّ من تعريَّة الشخصيات بشكل أكبر لقصة سرديَّة طغت على الحدث ومخرج عرف كيفيّة تناول اللعبة بطريقة فائقة وباقتدار ألقى القبض على كنز من ممثلين وراقصين يتمتَّعون بلياقة بدنيّة عالية وبأداء مقنع وخصُّوا بالذكر الممثل مصطفى عبيدو عندما أدَّى دور الطبيب بإتقان ويمكن قبول العرض كخطوة أولى لتوليفة بصريَّة لملاءمته في الفضاء والمكان خانها الحدث وكان حجمها أكبر من المخرج على الخشبة ولعلَّ اللجوء إلى تجزئة العمل وإخراجه بالطريقة ذاتها كان نوعاً من الهرطقة لابدَّ من عدم اتباعها وضرورة الرجوع للمسرحيَّة من جديد وتحويل الفرقة إلى احترافيَّة لما يتحلون به من رشاقة الحركات والليونة الجسديّة واستغلالها بشكل أفضل.
من جهته الكاتب سلام اليماني أكَّد أنَّ جمهور حمص يُقدِّر العمل المشغول عليه والاحترافي لكنَّ شرط المكان لم يتحقّق وأضرَّ به وشوّش عليه من خلال شخصيّات في الفرقة الراقصة وما تحمله من وراء ظهور الممثلين بينما الشموع تشتعل وتنطفئ كلها رموز ولو أن الحدث استطاع أن يوحي بها لكان أفضل، مبيِّناً أنَّ شرط المكان الحفرة كان الحوار داخلها ما دفعه إلى تحريك مخيلته وتصوّرها باعتبارها شيئاً رمزياً تعني سقوطاً أخلاقيّاً والحكاية عبارة عن مكان سقط به محاميّة وممرضة وطبيب وضابط بالتقسيط واعتبرها براعة من المخرج لحكاية بالغة البساطة تعكس فساد الضمير جامعاً في إطارها رقصاً معبراً وفناً يعطي فكرة ما جماليّة لا علاقة له بالحكاية وبقي في مستواها عندما اشترك معها ويفترض تقديم بعض المفاهيم الأخلاقية.
الفنان التشكيلي إياد بلال أبدى اقتناعه حول عدم وجود ديكور للمكان لاستعانة المخرج براقصي إيماء أدّوا حركات بكل ما فيها من التناقض والتضاد، دخل 14 راقصاً وراقصةً كان مع الدلالة الأولى برمزيات جميلة مظهراً إعجابه بعرضٍ جسَّده الممثلون بأدائهم وخلق تلوينات ملأت الفضاء المسرحي وعملوا مع الإضاءة فكان التكوين النهائي جميلاً عند إضاءة اللون الأحمر في حفرة معتمداً على أزياء طبيعية واقعية ترافقهم الظلال من الفرقة الراقصة وخلق جملة مضافة لعمل مؤلف من جزأين أولهما الإيماء والآخر التمثيل والظلال تلاحق الممثلين من الخلف.
أما المخرج حسن عكلا فأوضح أنَّ العرض مشغول بحرفية وعناية وإتقان ودراية بالأسلوب اعتمده المخرج لخلق العناصر الإيصالية بنص مسرحي مكتوب لشخصيات نمطيَّة ونصٍ لم ينجز درامياً ضعيف البنية وانعكس على كلا الجزأين النص والرقص التعبيري فكان كل واحد باتجاه ولم تكن الأقنعة ضروريَّة فلابدَّ من تغيير ملامح الأنسنة كي يجعل منها وسائل تعبيرية وكانت العلاقة ذات دلالة دراميَّة حرمنا من وجود شخصية غير منحرفة أو تناضل ضد الخطأ وجميعها تعبِّر عن انهيار أخلاقي على مستوى الإخراج.