في رحيل الفنان بسام صباغ.. حماة ونواعيرها مترسخة في لوحاته

الثورة – أديب مخزوم:

خسرت الأوساط الفنية والثقافية الفنان التشكيلي بسام صباغ (رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في مدينة حماة، على مدى سنوات طويلة) الذي رحل مؤخراً عن واحد وثمانين عاماً، ولقد تميزت معظم لوحاته بواقعية شديدة الوضوح والبروز، على الرغم من محاولته في لوحات أخرى كسر السياق الواقعي، والوصول إلى لوحة زاخرة بالرموز، وفيها شيء من التبسيط والعفوية، وهكذا تنقل من أقصى حالات الدقة الواقعية، إلى حالات الاختصار والاختزال والتلقائية واختبار بعض جماليات اللوحة الحديثة.
ولقد بقيت أحلام مدينة حماة القديمة ونواعيرها مترسخة في ذاكرته وظاهرة في لوحاته، حيث استعاد أجواء الحارات والبيوت الشعبية، الفسيحة من الداخل والخارج معاً، والمطلة على نهر العاصي، الذي كان ولا يزال يعطي للمدينة، رونقها السحري المتجدد، فهو ينتمي إلى مدينة تاريخية عريقة، موغلة في القدم، ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى أنه كان، ومنذ أكثر من ستة عقود، يعمل لكشف أسرار العمارة القديمة في مدينته وريفها، وكان يبحث عن تراثها الشعبي والفولكلوري المترسخ في ذاكرة العين ومخزونها البصري كبصمة لا تغيب.
وإلى جانب تعلقه بذكريات طفولته في أحياء مدينة حماة القديمة، رسم الطبيعة المحلية والبيوت الريفية والزهور وأحواض الورود والعناصر الإنسانية والوجوه والأشكال الصامتة والطيور والمواضيع المختلفة. وقدم مجموعة من لوحاته المرتبطة بالمناسبات الوطنية والقومية. وهكذا قدم مجموعة لوحات أكدت حريته وقدرته على اختبار جماليات اللوحة الحديثة، البعيدة عن جماليات الذوق العام، وغير الخاضعة لتوجهات السوق الاستهلاكي التجاري.
ومن الناحية التشكيلية والتقنية رسم بسام صباغ بالزيت والمواد الأخرى، ورغم تنوع الأساليب أحياناً وتنقله بين الواقعية والترميز، كان يعمل لإظهار خصوصيات بحثه التشكيلي، وبمعنى آخر كنا نشعر بخصوصية نسيجه اللوني والتقني في كل مراحله وتحولاته، وهذا ناتج عن صدقه، فمتى وجد الصدق، وجدت الخصوصية والتميز، وكان يضفي على لوحاته المزيد من الشاعرية البصرية الناتجة أحياناً عن طريقته الخاصة في وضع اللمسات اللونية، وذلك لإخراج اللوحة من منزلقات الوقوع في الصياغات الاستهلاكية المتشابهة.
هكذا تستعيد الكتابة عن تحولات فن بسام صباغ ذاكرة حية من التجارب التشكيلية السورية الحديثة، المرتبطة بجذور البيئة المحلية والعربية، عبر تداعيات الرموز والحنين الشاعري المنبثق من رؤى مسرح أحلام مدينته القديمة وريفها.
وإذا تجاوزنا بعض المراحل التي مرت بها تجربته، والتي أظهر من خلالها بعض التعاطف مع بعض جوانب الحداثة التشكيلية، والتي وصلت في بعض لوحاته حدود الهندسة والتكعيب، يمكن القول إنه كان في أكثر الأحيان يعمل على تقديم اللوحة الفنية الواقعية المحلية البديلة عن توجهات الفنون الغربية. وفي لوحاته التي نتحدث عنها هنا نلمس خلاصة مهارته التصويرية ودقته التفصيلية ومنهجه العقلاني المعبّر عن التصميم المتماسك، الذي يتولد من خلال تدرجات الظل والنور والرموز المختلفة والمكثفة التي تربط بين تكاوين الأشكال المختلفة.
وهو في جميع تلك اللوحات وصل إلى جماليات ومناخات خاصة به، في سياق استعادته لتفاصيل وجماليات أحياء وبيوت حماة القديمة، وأجواء أيام زمان، حيث أعاد الاعتبار إلى معطيات التراث المعماري، الذي يتعرض للزوال والاندثار، بسبب زحف العمارة الحديثة الإسمنتية.
ففي لوحاته كان يخاطب أجواء وحياة الزمن الغابر، كل ذلك في محاولة لكسر الطوق الخانق في عالم اليوم اللاإنساني، والعودة إلى ذكريات أحواض الورود والزهور، الموزعة في زوايا البيوت القديمة.
والرسم الواقعي الذي جسده يحتاج – كما هو معروف – إلى مزيد من الدراية المهنية والخبرة التقنية في خطوات الوصول إلى إيقاعات التناسب والإتقان في صياغة الأشكال والتفاصيل الصغيرة والدقيقة وبمزيد من العناية والجلد والتأني والصبر الطويل.
فقد كان في سنوات عمله الطويلة أحد المتحملين عناء استعادة المشاهد المحلية الدقيقة، وبمزيد من التفاني في تجسيد عناصرها، التي برزت في بعض لوحاته، وأضفت الأجواء الخاصة على عمله الفني.
هكذا ظهرت براعته التصويرية في صياغة المشاهد المعمارية التراثية والريفية، والتي تبرز كسجل لذكريات طفولته. ولقد أبرز من خلالها إيقاعات التوازن والأناقة الأدائية المفرطة في التأليف والتلوين معاً.
تجتمع ثقافتان في تجربة بسام صباغ، ثقافة اللوحة الواقعية المستعادة من ذاكرة النواعير والتراث المعماري والشعبي والريفي، وثقافة اللوحة الرمزية والتعبيرية القادمة من تفاعله مع تحولات ثقافة فنون العصر.
إنها مفردات وإشارات لونية قائمة من ثقافة الصورة الحية الباقية في الذاكرة عن المدينة القديمة، فالسطح الذي كان يقدمه في لوحاته يضاعف الإيهام بتحول اللوحة إلى نسيج لذكريات تحمل خصائص الميراث المعماري المحلي والجدار الحجري.

وفي تحولات فن بسام صباغ ( من مواليد حماة 1940) بين ما هو واقعي وما هو خيالي ورمزي وتعبيري، وما يمكن إدراجه في إطار الصياغة التكعيبية المنبثقة من الواقع، كان يفسر إحساسه الصادق تجاه الأثر التاريخي والثقافي. فحين كان في حالة هدوء كان يعود إلى صياغة النمنمة التفصيلية الواقعية، وعلى عكس ذلك كانت تظهر في لوحات أخرى، العفوية في عناصره وألوانه. والمهم في الحالتين كيفية النقل الفني للحالة الداخلية التي يعيشها أثناء إنجاز اللوحة.

آخر الأخبار
درعا: مطالبات شعبية بمحاسبة المسيئين للنبي والمحافظة على السلم الأهلي "مياه دمشق وريفها".. بحث التعاون مع منظمة الرؤيا العالمية حمص.. الوقوف على احتياجات مشاريع المياه  دمشق.. تكريم ورحلة ترفيهية لكوادر مؤسسة المياه تعزيز أداء وكفاءة الشركات التابعة لوزارة الإسكان درعا.. إنارة طريق الكراج الشرفي حتى دوار الدلّة "اللاذقية" 1450 سلة غذائية في أسبوع أهال من درعا ينددون بالعدوان الإسرائيلي على دمشق ‏الحوكمة والاستقلالية المؤسسية في لقاء ثنائي لـ "الجهاز المركزي" و"البنك الدولي" المستشار التنفيذي الخيمي يدعو لإنشاء أحزمة سلام اقتصادية على المعابر وزير المالية: محادثاتنا في واشنطن أسفرت عن نتائج مهمة وزارة الرياضة والشباب تطوي قرارات إنهاء العقود والإجازات المأجورة لعامليها طموحاتٌ إيران الإمبريالية التي أُفشلت في سوريا تكشفها وثائق السفارة السرية خبير اقتصادي لـ"الثورة": إعادة الحقوق لأصحابها يعالج أوضاع الشركات الصناعية عمال حلب يأملون إعادة إعمار المعامل المتضررة مركز التلاسيميا بدمشق ضغط في المرضى وقلة في الدم الظاهر: نستقبل أكثر من ٦٠ حالة والمركز لا يتسع لأك... استمرار حملة إزالة البسطات العشوائية في شوارع حلب الأونروا: لم تدخل أي إمدادات إلى قطاع غزة منذ أكثر من 7 أسابيع صحة حلب تتابع سير حملة لقاح الأطفال في منبج هل سيضع فوز الليبراليين في انتخابات كندا حداً لتهديدات ترامب؟