الثورة _ فؤاد مسعد:
مما لا شك فيه أن جل اهتمام الدراما السورية خلال سنوات الحرب العدوانية التي شُنّت على سورية كان الحفاظ على وجودها واستمرارها على الرغم من كل المصاعب والتحديات والعراقيل التي كانت توضع في طريقها بقصد سحب البساط من تحت قدميها ، وبالتالي لا يمكن لأحد إنكار ما أصابها من تراجع ولكنها بالمقابل أفشلت كل المراهنات ، وكان لا بد لها أن تخرج من هذه الحالة إلى مكان آخر يؤذن بعودة الألق وتكريس المكانة الحقيقية التي تستحق ، ولكن هل ما تم تقديمه خلال العام الحالي وما يتم تصويره ليُقدم في العام القادم يعكس هذا التمني؟ والمقصود هنا الأعمال الدرامية ذات الإنتاج السوري الخالص والتي تم تصويرها داخل البلد ، أم تراها لاتزال تعاني وهناك العديد من الصعوبات التي لابد من التعاطي معها بجدية وتذليلها ليقلع القطار نحو الأفق المرجو.
هي تساؤلات لا بد من طرحها مع نهاية عام وانطلاقة آخر يحمل بين طياته الأمل بالتجدد وبالعمل المرتكز على أسس وبنيان متين بناه الرواد .
التباين في مستوى الأعمال الدرامية المُقدمة هذا العام كان جلياً ، ورغم أن ذلك يعتبر سمة لا فكاك منها إلا أن أعمالاً قليلة جداً هيمنت على طقس المُشاهدة أبرزها مسلسل (على صفيح ساخن) إخراج سيف سبيعي وتأليف علي وجيه ويامن الحجلي ، ومسلسل (خريف العشاق) إخراج جود سعيد وتأليف ديانا جبور كما أن مسلسل (الكندوش) إخراج سمير حسين وتأليف حسام تحسين بك نال حصته من المُشاهدة رغم كل ما طاله من انتقادات ، وتم إنتاج مجموعة من الأعمال الشامية عرض بعضها وتأجل عرض بعضها الآخر للموسم الدرامي القادم ، في حين أن هناك أعمالاً أنجِزت وجاءت أقل من المأمول منها بكثير خاصة فيما يتعلق بضعف بنية النص واللجوء إلى المطمطة والافتعال والثرثرة ، ووصل الاستسهال عند البعض حد الوقوع في مطب البديهيات إن كان عبر أعمال اجتماعية عانت من التغريب عن الواقع أو عبر أعمال جاءت ضحلة حتى على المستوى التقني ، وبدت أعمالاً كأنها تستجدي المُشاهد للمتابعة بأي ثمن .
المطلوب والأكثر حرارة اليوم تناول موضوعات تحكي عن الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن ، بعيداً عن التكرار واجترار الواقع بشكل مباشر والانتقال إلى شكل مستقبلي أفضل ، تناول هموم الشباب والابتعاد عن مظاهر العنف ، والسعي لوصف الواقع بجرأة خاصة من ناحية الفساد ، والسعي إلى ترجمة عبارة إعادة الإعمار وخاصة إعمار الإنسان من خلال ما يتم تقديمه على صعيدي المضمون والشكل ، ومحاولة التنويع فالعمل الكوميدي رفيع المستوى مطلوب وبشدة شأنه شأن العمل التاريخي الذي عادة ما يحتاج إلى إنتاج ضخم ، ومن الأهمية بمكان إنجاز أعمال موجهة إلى الأطفال واليافعين والعائلة ككل وتسليط الضوء على قضايا المرأة ومساهمتها في عملية البناء وتناول نماذج مُحفزة فهي أم وأخت وزوجة شهيد أو مُصاب حرب ، ما يفتح الباب أمام الكثير من الموضوعات التي تلامس المجتمع بقطبيه الرجل والمرأة معاً ، فينبغي ألا يكون جل إنتاجنا مرهوناً بمتطلبات المحطات وإنما نابع مما يحتاجه مجتمعنا اليوم من موضوعات وأفكار في هذا الوقت بالذات ليكون هناك حضور درامي قوي يثبت مكانته عند الجمهور في زمن بات من السهل جداً أن نفقد المشاهد فيه أمام مغريات ما تقدمه له المحطات الفضائية العربية والمنصات ومواقع الشبكة العنكبوتية من أعمال تحمل كل مقومات الجذب.