المحتفى بإبداعهم

أشير الأسبوع الماضي إلى أن أيام الفن التشكيلي السوري التزمت منذ موسمها الأول بتكريم ذكرى ثلاثة من الفنانين الراحلين. وقد تكرّست هذه الخطوة كتقليد في المواسم التالية. ومعها أيضاً تكريم ثلاثة من الفنانين الذين يتابعون عملهم الإبداعي.

أول المكرمين في الموسم الأحدث كان المصّور ناثر حسني الذي نمت موهبته في مركز الفنون التطبيقية القريب من سكنه، حيث استهوته في وقت مبكر من عمره اللوحة الأشهر لتوفيق طارق التي تتخيل معركة حطين، في المتحف الصغير الذي يحمل اسم رائد الفن التشكيلي السوري، والذي كان يشغل إحدى قاعات المركز، فأصبح يمضي أوقاتاً طويلة وهو يتأملها بمتعة وإعجاب. مع مطلع السبعينات بدأ ناثر حسني العمل بترميم البيوت التاريخية في دمشق القديمة فسكنت والحارات القديمة وجدانه، وسرعان ما أصبحت الموضوع المفضل للوحاته، كاشفة عن موهبة صقلتها الجدية والخبرة المتعاظمة، وبراعة في الرسم تعرف الطيف الواسع بين الأبيض والسود، وحس لوني مرهف. ومع ذلك لم تكن دمشق القديمة، وبيوتها وحاراتها وأبنيتها الأثرية، الموضوع الوحيد للوحاته فإلى جانبها كانت وجوه الأشخاص، ومشاهد الطبيعة، وتكوينات الطبيعة الصامتة، وتخيلاته عن المعارك التاريخية. وعلى امتداد خمسين سنة منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة اتخذت حياة ناثر حسني مسارين متوازيين، أولهما: إبداعه الفني الذي رسخ حضوره كمصور واقعي بارع، وثانيهما :عمله التعليمي الذي كرّسه كمعلم قدير. ففي الأول يضاف اسمه بجدارة إلى قائمة الفنانين التشكيليين الذين وثقوا دمشق بلوحاتهم الرائعة وفي مقدّمتهم المعلم ناظم الجعفري. وفي الثاني مهدت معارفه وموهبته وخبرته التعليمية الدرب لعدد من أفضل طلاب كلية الفنون الجميلة الذين تدربوا على يديه في مركزي أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية وأدهم اسماعيل للفنون التشكيلية، المكان الذي بدأ فيه مسيرته طالباً متميزاً، ويستمر فيه معلماً متميزاً.

المكرم الثاني كان النحات محمد بعجانو الذي منذ أن تفتحت عيناه على الحياة في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي، وصور الطبيعة في اللاذقية تستحوذ على اهتمامه، فيمضي وقتاً طويلاً في تأمل مشهدها العام. وقت الغروب، وأيضاً في أوج سطوع الشمس التي ألحقت الأذى بعينيه لطول ما تأملها. كما كانت تجذب اهتمامه التفاصيل الوفيرة التي تحفل بها الطبيعة كالزهور والأشجار والطين النهري الذي اعتاد أن يصنع منه منحوتات صغيرة، ربما كانت خطوته الأولى في عالم الإبداع. كان انتساب محمد بعجانو إلى كلية الفنون الجميلة قراراً يلتقي مع ميوله التي تفتحت في الطفولة، وفي مرحلة الدراسة قبل الجامعية، وكذلك كان اختياره لقسم النحت فيها الذي استجاب لموهبته وبراعته وخياله الجامح، وما أن شارف على سنة التخرج حتى وجد نفسه يتلمس الملامح الأساسية لأسلوبه الشخصي، بتأثير إعجابه بفنون الحضارات التي قامت على الأرض السورية، والتي ألهمت منحوتاتها خياله ليذهب بعيداً عما هو سائد. وإثر تخرجه من كلية الفنون الجميلة مطلع الثمانينات تابع محمد بعجانو عمله على الخشب، المادة الأكثر توفراً يومذاك، وقد أصبحت المنحوتات الخشبية بعض مظاهر أسلوبه الذي تبلور بوضوح جلي مع مرور السنين، وقدم تنويعات ساحرة على الرخام والحجر وسواها. واليوم وعلى مسافة نحو أربعين سنة من تخرجه، ونحو ستة عقود من تلك الأيام التي كان يطوف فيها في محيط مدينته متأملاً مكامن الجمال فيها، أصبح محمد بعجانو اسماً بالغ الأهمية في المشهد التشكيلي السوري، يحظى، وأعماله، بتقدير واسع، ويترقب الذواقة بشغف كلّ إبداع جديد فيها.

ثالثة المكرمين كانت المصورة الشابة سارة شما التي اكتشف أبواها موهبتها الفنية المبكرة حين كانت لاتزال في سن الرابعة فأحاطا تلك الموهبة بالرعاية، وما أن بلغت سنتها السابعة حتى ألحقاها بدورات الأطفال في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية الذي استمر باحتضان موهبتها حتى تخرجت منه وهي طالبة في كلية الفنون الجميلة التي كانت شاهداً آخر على تميزها، فمنحتها الدرجة الأولى على دفعة تخرجها عام 1988، وفي العام ذاته نالت الجائزة الثانية في معرض الشباب الأول الذي نظمته نقابة الفنون الجميلة، وقدّم للحياة التشكيلية السورية مجموعة من أهم أسمائها الشابة، وكانت سارة واحدة من هذه الأسماء. حرصت سارة على تطوير براعتها في الرسم والتلوين فعمدت إلى نسخ لوحات هامة لفنانين عالميين مما أكسبها خبرة كبيرة في التعامل مع سطح اللوحة، ومكّنها من امتلاك مقدرة استثنائية في الرسم وانتقاء الألوان وبناء التكوين المتماسك الراسخ. و قد بدأت نتائج هذا التدريب الجاد على تنمية المهارات التقنية تتجلى في أعمالها منذ مرحلة الدراسة، ومن ثم في مجمل تجربتها، فخلق مشروع تخرجها حالة من الإدهاش عند مشاهديه، وربما ساهم في تلك الحالة التباين الكبير بين حجم الفنانة الشابة الرقيق، وحجم لوحاتها العملاقة التي صورت أشخاصاً بأسلوب غير مألوف رغم واقعيته. بعد جائزة معرض الشباب حصدت سارة مجموعة كبيرة من الجوائز منها جائزة البورتريه الوطنية في لندن 2004 وجائزة وترهاوس للتاريخ الطبيعي في جنوب استراليا 2008 وجائزة بينالي فلورانس 2013. واختيرت من قبل برنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عام 2010 كشريكة من المشاهير للبرنامج. ويلفت النظر في معارض سارة ذلك الاهتمام الكبير الذي تلقاه تجربتها من قبل المشاهدين، وخاصة الأجيال الشابة منهم، وهو نتيجة طبيعية للسمعة التي حازتها الفنانة الشابة من خلال تجربتها الحيوية والمتجددة، حيث تبدو سارة في معظم لوحاتها منساقة إلى حرية إبداعية لا ضفاف لها تتيح المجال للحديث عن متعة أثناء إنجاز اللوحة، قد تكون شرطاً لتمتع المشاهد بها، وقد ينسحب هذا على كلّ عمل فني، وربما يفسر قولها :إنها تبدأ لوحتها من دون أفكار مسبقة بانتظار أن تفاجئها اللوحة.

إضاءات -سعد القاسم

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة