ربما من المبكر تقييم نتائج المحادثات الروسية الأميركية في جنيف، حول الضمانات الأمنية التي طالبت بها روسيا، فنجاحها يعني نزع صاعق التفجير للأوضاع المتوترة في أوكرانيا، وهذا لم يحدث بعد، والولايات المتحدة ما زالت تلوح بإمكانية حدوث “مواجهة”، فيما “الناتو” لم يتراجع عن خططه الاستفزازية لمواصلة التوسع نحو الشرق بهدف تهديد الأمن الروسي، وفي المقابل تؤكد موسكو أنها لن تقدم أي تنازلات تحت الضغوط الأميركية، أو وسط التهديدات الغربية المستمرة.
المحادثات الروسية الأميركية، والتي يعقبها اجتماع مجلس روسيا-الناتو في بروكسل غداً الأربعاء، هي فرصة ثمينة للولايات المتحدة، والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو للنزول عن أعلى الشجرة، وعدم ارتكاب أي حماقة عسكرية تعرض أمنها للخطر، لأن روسيا أكدت أكثر من مرة أن محاولات مخاطبتها من موقع القوة محكوم عليها بالفشل، وبأنها سترد على الخطوات غير الودية بشدة وحزم، وبأن تحقيق النتائج الإيجابية لكل الأطراف، يكمن فقط عبر التوازن في المصالح على أساس من التكافؤ، والاحترام المتبادل، ومراعاة كل طرف مصالح الطرف الآخر.
أعمال العنف والفوضى التي استهدفت كازاخستان- والتي اعتبرها مسؤولو هذا البلد أنها عدوان منظم ومخطط من قبل قوى خارجية- والسرعة في إخماد نيرانها التي أراد مشعلوها أن تدمر الاستقرار في محيط روسيا وإشغالها قبيل بدء المحادثات الروسية الأميركية، لتحصيل تنازلات، يجب أن تكون عبرة للدول الغربية- غير المستبعدة في تحريك تلك الأحداث- لأن تعيد حساباتها وقراءاتها الخاطئة، وأن تفكر ملياً بتأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لم يعد مسموحاً حدوث “ثورات ملونة”، والتي لطالما لجأت إليها أميركا وأتباعها الأوروبيون لاستهداف الدول الرافضة لنهجهم الاستعماري، بمعنى أن محاولات تطويق روسيا لإضعافها واستنزاف قدراتها، باتت خياراً فاشلاً، وفي حال أراد الغرب الحفاظ على مصالحه، فالخيار الأمثل هو بالحوار والدبلوماسية، والكف عن لغة التهديد والوعيد.
المحادثات الروسية الأميركية هي صعبة ومعقدة على حد وصف نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، ولكن هذا لا يعني أنها قد تقود إلى نتائج غير مرضية في حال امتلكت الولايات المتحدة الإرادة السياسية الكافية للوصول إلى نتائج إيجابية، وربما تكون الإشارات السلبية التي أرسلتها واشنطن وبروكسل قبيل بدء المحادثات، هي لرفع شروط التفاوض، فالواقع الجديد لجهة التغير الحاصل في موازين القوى، بات الغرب يدركه جيداً، وهو لا يصب في مصلحته، وهذا يحتم على أميركا إلى جانب حلفائها الأوروبيين أخذ التأكيدات الروسية بالرد الحازم على تجاوز خطوطها الحمراء على محمل الجد، تجنباً لانزلاق خطير قد يهدد أمن واستقرار أوروبا، ويقوض الأمن والسلم الدوليين في الوقت ذاته.
نبض الحدث -ناصر منذر