الملحق الثقافي:عمار النعمة:
الدكتورة سلمى جميل حداد الأستاذة الجامعية والروائية والشاعرة التي تحار كيف تمسك بجمر لغتها ونبضها وقدرتها على أن تجترح لغة أبعد من شاعرية..
دكتورة سلمى تغزل في إبداعها لغة تحلق بك عالياً من حيث الاقتصاد بالنسيج الذي يشي أكثر مما نتوقع والصورة التي تجعلك تحلق أيضاً عالياً..
في جعبتها الرواية والدراسات المعجمية والمجموعات الشعرية في اللغتين العربية والإنجليزية..
مجموعتها الجديدة التي حملت عنوان (أتجاذب معك أطراف الحريق) الصادرة عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع .. رسمت أبياتها كخيوط الشمس الدافئة، تشعر وأنت تبحر بها أنها تفيض خيراً … مفرداتها عذبة ندية توشحت بالجمال والصدق.
من قصيدة كل الدروب مقطوعة التي نقرأ:
يروي المطر بصيلات شعري فتنبت الفكرة
من الطبقات الجيولوجية لأعماق غربتي، قد كنت وحيدة على المقعد المجاور لي
لصفير القطر وشخير ظلي، قطعت كل أنفاس القطارات
وماوصلت إلى مقطورة ذاتي
على سكة الغياب الحديدية .
في مواسم الخذلان يطوق الأرق خاصرة الترقب
ويتساوى النهار المديد بليل الضجر في المحطة القادمة
اصطحب معك ظلك المستعجل وصحيفة مطوية فوق عناوين الموت الرئيسية
لا أريد أن أشم مزيداً من الخوف
على المقعد المقابل لعواجل أخباري .
ومن قصيدة تشرفت بمعرفتك أيتها الحياة نقتطف:
تشرفت بمعرفتك أيتها الحياة حيث التقيتك سراً في حقول السراب فعصرتني كرمانة على سفوح المجاز
ومضيت مُذاك أفتش في غروبك عن شروق
عن قطن سحابة بيضاء
أتدلى من أنفاسها العاريات
حرّة حرّة حرّة، كمساحات الضوء
كضحة الزيتون في أعالي الجبال .
تشرفت بمعرفتك أيتها الحياة
تراقصين خصري كذراع تستأبد الحب
وعند منعطفات الموت تعسكرين لي
بيني وبينك جسد انفرادي أقطنه إلى حين
بيني وبينك شيفرة وزفير
وآلة رتيبة تستنطق دقاتها
موسيقى الحضور وصمت الغياب.
ومن قصيدة في الطريق إلى اسمي:
أحلامي ! أيتها الناعمات كقطن السحاب
الرقيقات كشتلة حبق
كابتسامة صابونة غار
في مواسم الزيتون
أحلامي .. أيتها المختبئات من لسعة أيلول
خلف رائحة الليل
أيتها الغافيات في حضن فراشة بهية شهية كالحب
أحلامي ! أيتها البريئات كنظرة حجل احملي عني ذاتي المهزومة حتى طلوع الفجر.
أما في قصيدة أنا وجسدي والفراغ فمهما فاض الحبر بالكتابة والمعاني، ثمة ما هو أكبر لأن الشاعرة تملك لغة تجعلك تبحر في المجموعة إلى مالانهاية فتقول:
بصوت المطر أناديني كلما انتظرت،
أنا سيدة ذاتي وأمة لكل فكرة فيما تمعنت
أتلبد فوقي كغيمة ملء مساماتها الحياة
أفتش عمن يُتقن مثلي .. فن العطاء وعزلة
التفكير.
نبتُ على جانبي الطريق رحيلاً بعد غياب
وغياباً بعد رحيل
وامتلأت بجسدي المنهك وأقدام العابرين
سأخبر الطريق بنصف الحقيقة
ولسوف أقضم كالخبر الناشف نصفها الآخر
وألقي بفتاتها إلى عصافير السبيل،
لا مطلق في الحقيقة
لا لا لا مطلق في الحقيقة !!.
ومن قصيدة لا أريد للحب أن يبقى غريباً نقرأ مايلي:
أعتلي بعد أمس عرش الخيال
لأصبح في حفنة من تراب شجرة
كم الساعة الآن
أيها الحبق المشتول في أحواض المساء؟
الأخضر بعد منتصف الليل, يا لمتعة إحصاء رذاذ العطر
على خصر الهواء!.
أسكنني هناك فوق لؤلؤة من فضة النور
لاشيء يحاصر أنفاسي
لاشيء يسقف أفكاري
لاشيء يسيج أجنحة الجموح،
لي في هذا الفضاء
مساحات من عطر وعبور
أدوّن عليها أنفاس الحكايات
وأنمو كأكتاف التين نحو السماء
كخطوات القمح المسرعات فوق التراب.
التاريخ: الثلاثاء18-1-2022
رقم العدد :1079