الملحق الثقافي:
اليوم، لا الغد، ولابعده، نحن بأشد وأمس الحاجة إلى نطرح السؤال المر الذي طالما أجلناه كثيراً: لماذا تحول الأدب العربي في العقود الأخيرة إلى شكل هلامي لا معنى له، لماذا صغرت القامات، وتطاول كل من فك حرفين على أن يدعي أنه شاعر وكاتب وأديب …؟
بل أبعد من ذلك، كيف اختفت القضايا الكبرى عن المشهد الثقافي والفكري، ولم يعد الشعر إلا صفاً للكلام، والرواية تهويمات ولطشاً من هنا وهناك على أساس المثاقفة والاقتباس، ولماذا صار لكل شويعرة ناقد أعمى البصر والبصيرة تجرها وراءها ومعها إلى منتديات، حتى وجدنا منتديات لايدعى إليها إلا الشاعرات …..
وفوق هذا وذاك لم يعد للأديب أو الكاتب الدور المنوط به، تركه إلى خيمة الملذات والغنائم والبحث عن دولارات المال النفطي الآثم، رأينا قامات كنا نظنها كذلك لكنها فعلاً كانت بارعة في التمثيل، لسنا نحن الإعلام ببعيدين عن المسؤولية لأننا طبلنا وزمرنا لكل من هب ودب …..
المسؤولية جماعية، وما من أحد خارجها، ولكن على عاتق المؤسسات التي تعنى بهذا الشأن المسؤولية الأكبر فهي الناظم والموجه والحاضن ويفترض أنها البوتقة التي تنصهر فيها التجارب والآراء لتقدم لوناً من الفكر والأدب الراقي الذي يعيش همومنا وآلامنا ومعانتنا، ولا نريد أن تكون البوتقة مكاناً لصهر الجميع على شكل لون واحد، فهذا محال، بل من الخطأ أن يكون كذلك.
في العالم كله مازال الأدب يعنى بالقضايا الاجتماعية والإنسانية، إلا عندنا تحول إلى حقل تجارب تحت هذه الذريعة الكل غرب وشرق، كتب ومن نافذة الحداثة المائعة كما أطلق عليها ذات يوم عبد الوهاب المسيري، كانت هذه الكوارث التي نراها الآن.
اليوم في المشهد الثقافي والفكري السوري، نحن أمام عورات حقيقية، بل ثمة ما يبعث على الصدمة، سبع سنوات، وحبر البعض مازال دنساً محايداً بعيداً عن الألم والأمل، مما لاشك فيه أنه صدرت أعمال مهمة ومتميزة عن الحرب المجنونة على سورية، ولكتابها ومبدعيها التحية والتقدير، ولكن سبع سنوات هي بالحقيقة كافية لإحداث ألف تطور وانقلاب بالمشهد الثقافي والأدبي والفكري، انقلاب ليكون المبدع مع الناس والوطن، مع جيش إسطوري، ولكن ما الذي حدث، ومن المسؤول عنه ؟ كيف تشتت كتابنا ضمن المؤسسة الواحدة إلى فرق، وصار الفضاء الأزرق مكاناً لتصفية الحسابات ؟؟
كيف توقف نشاط بعض فروع الاتحادات وغدت مكاناً يسجل على بابه تمنع الزيارة إلا بإذن مسبق؟ ولماذا صارت بعض الدوريات بعيدة كل البعد عن قضايا فكرية وثقافية ووطنية؟
أسئلة لست معنياً بالإجابة عليها، ولكن سوف يتنطح البعض لتفنيدها وهذا حق وواجب إن كان الدليل صحيحاً عند من يفند، نعرف أن الأمر ليس سهلاً، ولكن في الحروب تبتكر الحلول وتجترح ويسمو الجميع إلى حيث مصلحة الوطن.
شخصياً لن أصدق حبر الكثيرين ممن هم على بعد عدة أمتار من موقع لأبطال جيشنا كنت أتمنى لو أنهم زاروه مثلاً وقدموا باقة ورد، كيف أصدق يوماً ما إذا ما كتبوا عن الوطن والمعاناة ….كيف أصدق أن الدفاع عن القدس يكون من دولة خليجية تمول العدوان على سورية، وكيف أصدق أن كتاباً يفترض أنهم عرب لايصدرون بياناً إدانة للعدوان الثلاثي على سورية ……..؟
وقد صار خجولاً
إن الأدب كان مسؤولاً، كتاب مهم جداً للراحل جلال فاروق الشريف صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، يوم كانت تصدر الكتب التنويرية، عنوانه دائماً يشغلني ويدفع بي إلى الصراخ: لماذا تيبسنا، لا يذهبن أحد إلى أنني اتهم مكتباً ومجموعة بعينها، لا والأمر تراكمي، مسؤولية الكل بلا استثناء، من آخر عضو انتسب إلى الاتحاد إلى مكتبه التنفيذي، والحقيقة لايمكن لرئيس اتحاد مهما كان أن يصحح كل شيء، لكن كما يمكن للجميع أن يوقفوا تدهوراً يمضي …..أن تتحول مؤسسة فكرية إلى حالة جذب واستقطاب ليس فكرياً إنما ……..هذا مأخذ كبير
اليوم في مؤتمر الاتحاد أظن أن العنوان مقروء من التقرير الذي غاص في الحسابات ومن الغرابة بمكان أن الاتحادات تركز بطهرية على الحسابات، وترهقنا بجداولها لتدل على طهر الصرف، اتحادنا فعل ذلك، وكذلك اتحاد الكتاب العرب وكأن المؤتمر فقط جردة حساب، مع الإشارة إلى أن بنودا من النفقات ……..مثلا تحت بند مؤتمرات واجتماعات ونقل بلغ المصروف حسب التقرير(10 ملايين) ليرة سورية ؟؟؟
ومكافآت غير العاملين مليونان وسبع مئة ألف ……..ضيافة وفود (3) ملايين ليرة سورية ؟؟؟؟؟؟
بكل الأحوال، كنت أظن أني سأقرأ في التقرير بنداً حول مناقشة قضايا التنوير، حول التقصير في المشهد الثقافي، قضايا تخص الفعل الإبداعي، ربما سيكون ذلك من خلال المناقشات، ولكن …..
وهل علي أن أقول إن التقرير سلق بسرعة معتمداً على طهر البيانات المالية، ولم يدقق من قبل من قرأه أو وقعه، والدليل على ذلك الأخطاء اللغوية الشنيعة التي سأورد بعضها، في الصفحة 37 (جاء بلغ عدد المتقاعدون ) والصحيح المتقاعدين، وجاء ( أسرة ورثة متوفون )الصحيح متوفين، وجاء (بلغت كتلة رواتب المتقاعدون ) الصحيح المتقاعدين، وجاء (مع العلم بأن قسم كبير ) والصحيح:أن قسماً كبيراً ……..
وحتى لايقال إني أتجنى جاء في الصفحة 10 (قامت إدارة الاتحاد بمحاولة لتخفيض تكاليف الطباعة وذلك بتخفيض عدد الكتب المطبوعة التي يمكن أن تحقق رواجاً، وكذلك عدد صفحات بعض الدوريات) لاحظوا تخفيض عدد الكتب المطبوعة التي يمكن أن تحقق رواجاً ………هل من عاقل قرأ التقرير يترك هذا الخطأ ؟؟؟؟؟
وعلى الهامش (أضاءت الصحيفة على أعلام توفاهم الله من أجل أن يبقوا في الذاكرة ) هكذا تماماً ……..ربما …
وضع مكتبات بسيطة في المطارات ومحطات القطارات وكراجات البولمان تتضمن (عرض) الصحيح عرضاً لبعض كتب الاتحاد…..إذا كانت مكتبة الاتحاد في عقر الاتحاد مغلقة فهل …..منافذ البيع لا ترى فيها عدداً ومطبوعة للاتحاد …….
نقل الفعل الثقافي من محلي إلى عربي وإقليمي عن طريق استضافة وفود ثقافية، بند مهم لكن ربما علينا أن نفعل فروعنا أولاً، وثانياً وثالثاً ….
الوطن أبعد، أكبر من تقارير طهر حسابي على أهميتها، نتوق لأن يتحول المؤتمر إلى حلقة نقاش مصارحة تنسى الماضي وتضع آليات عمل للقادم، لا أدري هل ننجح، عفواً تنجحون ؟؟
التاريخ: الثلاثاء18-1-2022
رقم العدد :1079