الملحق الثقافي:غسان شمه:
على مفترق الحضارات وثقافات الشعوب والأمم تقف الترجمة كجسر تواصل ينقل المعرفة والأدب الإنساني من لغة إلى أخرى في إطار من التلاقح الثقافي والحوار الذي يسهم، بأشكال متعددة، في ارتقاء الفكر والعقل.
من المعروف أن الترجمة تساهم في تشكيل وعي جديد لدى المتلقي المستقبل الذي يحاور بعقله النص المترجم في علاقة تسهم بإثراء المخزون المعرفي ويوسع مدارك العقل للانطلاق في فضاءات وعوالم يتم التعرف، من خلال مفرداتها ومعطياتها، على أسلوب حياة وتفكير وعقلانية أخرى عبر تلك الترجمات.
وليس خافياً على أحد المرحلة الذهبية التي شهدتها الثقافة العربية في العصر العباسي عندما سعى بعض الخلفاء لرفع الترجمة إلى مناص الإبداع، وهي كذلك، فكانت المحفزات المالية تصل إلى حدود بعيدة توازي الكتاب المترجم في وزنه ذهباً.
وفي الواقع فقد شكلت تلك الترجمات نافذة واسعة تضيء على معارف وثقافات وفلسفات الشعوب التي تمت الترجمة عن آدابها وفكرها، وكانت هذه الترجمة محور حوار وجدل أفضى في كثير من الأحوال إلى نشوء تيارات فكرية وفلسفية جديدة في ثقافتنا العربية تشهد عليها المدارس الفكرية التي راحت تناقش وتضع رؤى جديدة من خلال المفردات النقدية وأسلوب التفكير والخطاب الأمر الذي كان له أثر كبير في تلوين وتجديد الخطاب الثقافي والفكري العربي.
ومن نافل القول إن تلك النهضة كانت جسر عبور آخر من ثقافتنا إلى ثقافة الغرب الذي استفاد كثيراً مما أنتجه العقل العربي في فترة العصور الزاهية، حيث كان للفلاسفة والعلماء العرب فضل كبير في نقل جانب كبير من التراث الإنساني الذي فتح آفاقاً جديدة للعقل الغربي الذي أسس لانطلاقته مستفيداً من ذلك الثراء الذي خلفه تلاقح الفكر العربي بما سبقه.
ومما يؤسف له أن عصور الانحطاط الطويلة، التي مرت بها أمتنا العربية، قد أثرت على مختلف جوانب الحياة الإنسانية والفكرية ومنها الترجمة التي بدا وكأنها غابت طويلاً حتى جاء العصر الحديث ودخل عالمنا العربي مرحلة جديدة كان لالتقاء الغرب بالشرق أثره في بداية نهوض فكري أطل من خلال الترجمة على ما وصل إليه الفكر الأوروبي على صعيد الإبداع الفكري والعلمي، حيث لعبت الترجمة دوراً مهماً في هذه المرحلة وساهمت بنشوء تيارات جديدة كان لها أثر كبير على الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية في بلادنا، لكن هذه العملية الإبداعية مرت بمراحل متفاوتة ولم تصل إلى الطموحات حيث أن أي مقارنة بين ما يترجم عندنا وعند غيرنا لا يحمل نتيجة إيجابية..
واليوم يبدو هذا المشروع ضرورة لها موجباتها التي نتمنى أن تتقدم بخطا واسعة.
التاريخ: الثلاثاء25-1-2022
رقم العدد :1080