بين الترجمة والدوبلاج

 الملحق الثقافي:فؤاد مسعد:

هل الترجمة خيانة للنص الأصلي ؟.. سؤال كثيراً ما تمت إثارته وجرت حوله العديد من الحوارات والنقاشات، خاصة فيما يتعلق بالأدب وبالأخص الشعر لما يتمتع به من سمات، ولكن لدى الحديث عن العمل الدرامي إن كان مسلسلاً أو فيلماً سينمائياً فهل تشكّل ترجمته أو دبلجته إلى اللغة العربية خيانة للحوار الأصلي ؟. ربما هي في أحد أوجهها خيانة ولكنها مشروعة، لأنه كما تفقد القصيدة جزءاً من روحها وموسيقاها وإيقاعها عند الترجمة كذلك الأمر بالنسبة لحوار العمل الدرامي وما يحمله من مضامين إذ يفقد جزءاً من بريقه الأساسي والإحساس الموجود فيه، وهنا تكمن صعوبة ترجمته وبالتالي عملية دبلجته، فالأمر يتعلق بالبحث عن معاني كلمات تكون الأقرب إلى الكلام الأساسي المراد إيصاله بما يتلاءم ويتماشى مع الطبيعة الثقافية والاجتماعية المختلفة للمجتمع، فهناك عبارات وأمثلة شعبية وأقوال مأثورة ومصطلحات تتماشى مع بلد المنشأ الذي يعرف سكانه تماماً ما دلالاتها ولكن لا بد لدى ترجمتها إلى العربية من إيجاد البديل المناسب لها بما يتماشى مع ثقافة المجتمع ما يحمّل المترجم عبئاً إضافياً، ويحتاج منه معرفة عميقة بكلا اللغتين لإيجاد البديل الذي يعطي الإحساس والمعنى ذاته.
مما لا شك فيه أن آلية ترجمة العمل الدرامي لها خصوصيتها، وقد تطورت إلى الدوبلاج لتصل إلى المتلقي بشكل أسرع وأكثر سلاسة وهناك من يشير إلى أن أول عمل تلفزيوني تمت دبلجته هو مسلسل الرسوم المتحركة (مغامرات سندباد) فترة أواسط السبعينيات، وتبعه دبلجة العديد من المسلسلات الكرتونية، وتصاعد في تسعينيات القرن الماضي الاهتمام بالترجمة السمعية البصرية التي تتطلب إدراكاً عميقاً للمادة المصورة حيث تمددت الدبلجة لتصل إلى المسلسلات اللاتينية وأول مسلسل مكسيكي تمت دبلجته (أنت أو لا أحد)، وشكّل المسلسل الفينزويلي (كساندرا) حالة فريدة لدى عرضه في منتصف التسعينيات وجذب الجمهور إليه وكان مؤلفاً من مئة وخمسين حلقة، وبسبب ما حققته هذه الأعمال من نجاحات كرت السبحة وبات اليوم يتم دبلجة أعمال من دول مختلفة بما فيها مسلسلات وأفلام كورية وصينية وهندية.
حقق المبدع السوري مكانة متقدمة في هذا المجال، وقد انطلقت رحلة التلفزيون السوري مع الدوبلاج من الأعمال الموجهة للأطفال لتشمل فيما بعد مختلف الأعمال الدرامية، هذه البذرة الصغيرة سرعان ما نمت وبات لها مواصفاتها وسماتها الخاصة التي لا تقبل المهادنة، وانتشرت على المحطات الفضائية وتمتعت بسمعة طيبة محققة تميزها، حتى أن شخصيات الأعمال أصبحت تُعرف بأصوات فنانيها وكثيراً ما طغى حضور الممثل السوري بلهجته ونغمة صوته وطريقة أدائه على حضور الممثل الأصلي للدور، إلى درجة أن هناك فنانين باتوا علامة فارقة، ومنهم على سبيل المثال الفنانة آمال سعد الدين التي قدمت الأداء الصوتي لشخصية الرسوم المتحركة (المحقق كونا) إضافة إلى أعمال كثيرة أخرى، وغير خافٍ على أحد أن الدوبلاج شكّل ملجأ للعديد من الفنانين فترة شح الإنتاج الدرامي السوري خلال الحرب التي شنت على سورية، رغم أن العمل في مضماره مضنٍ وليس بالسهل ويحتاج إلى الكثير من الدقة والاعتماد على الأداء الصوتي بكل ما فيه من أحاسيس وانفعالات تماشي وتتطابق مع انفعالات الممثل الأساسي الأمر الذي يتطلب صوتاً متعدد الطبقات يتمتع بقدرة على التلوّن يٌحاكي الأداء الصوتي والنفسي للشخصيات، مع الأخذ بعين الاعتبار المؤثرات الصوتية وكافة الأصوات الأخرى وحالة مزامنتها مع الصورة.
إن كان هاجس الدقة في الترجمة هو أحد أهم العناصر فيها فإن الدوبلاج يذهب إلى أبعد من ذلك عبر عناصر تحمل الأهمية ذاتها معتمداً على الجملة الحوارية الرشيقة المبدعة التي تحاكي النص الأصلي وتتكيّف معه روحا ومضموناً، ما يشي بآلية بناء شاملة تقدم حالة من الابتكار والتأليف، حيث تعاد كتابة السيناريو باللغة العربية مع مراعاة طول الجملة لتتناسب مع طول الجملة الأصلية فيكون زمن تحريك شفاه الممثل مطابقاً تماماً لزمن نطق الجملة الجديدة مع الحرص على جعل اللغة العربية قريبة من حيث الشكل من لغة المصدر فتتم الاستعانة بكلمات يكون نطق أحرفها مشابهاً للكلمات الأصلية، وتختلف أهمية هذا الأمر وفقاً لطبيعة العمل الذي تتم دبلجته، إن كان رسوماً متحركة أو فيلماً وثائقياً أو عملاً درامياً.
تساهم الأعمال المدبلجة بالتعرف على ثقافات أخرى وعلى اقتراحات فنية وتقنية وبصرية مختلفة، ورغم الحرص في البداية على اعتماد اللغة العربية الفصحى أساساً للحوار فيها إلا أن هذا الأمر لبث أن تبدل باتجاه اللهجة العامية لتكون هذه الأعمال أحد حوامل اللهجة السورية لكل أصقاع الوطن العربي، وإن كان لذلك وجهاً إيجابياً في انجذاب المشاهد للعمل إلا أن هناك من رأى وجهاً آخر يتمثل في اقحام مفاهيم وسلوكيات دخيلة على مجتمعنا بطريقة يسهل تقبلها، وعلى صعيد آخر تركت الأعمال المدبلجة أثرها العميق في آلية الإنتاج بعد أن لمس المنتجون تلقف الجمهور لها، ما دعا الكثيرين منهم إلى محاولة استنساخ تجارب أجنبية واستعارة مفرداتها حتى فيما يتعلق بالموضوعات وحركة الكاميرا وإيقاع العمل.

التاريخ: الثلاثاء25-1-2022

رقم العدد :1080

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى