الملحق الثقافي:
الترجمة بالنسبة لي كانت ومازالت هواية، مثلما هو الأدب تماماً.. منذ سنوات مراهقتي وجدت نفسي منجذباً لتعلم اللغات الأجنبية، وما إن تمكّنت بعض الشيء من تعلم اللغة الإنكليزية، حتى شرعت في ترجمة بعض القصص القصيرة والمقالات المكتوبة في مجال العلوم الإنسانية بالتحديد، ولكني لم أقم بترجمة كتاب بأكمله إلا في العقد الأخير.. في مرحلة من مراحل عمري كنت مهتما بقراءة كتب الفلسفة الدينية، ومرّ معي الكثير من الاستشهاد بكتاب لأرثر كلين ليونارد بعنوان (الإسلام قيمته الروحية والأخلاقية.. دراسة عقلية ونفسية)، فبحثت عنه في الشابكة ولم أعثر على ترجمة له، على الرغم من أن تاريخ صدوره يعود إلى عام 1907، ربما لأنه الكتاب الوحيد الذي يدرس الإسلام بهذه الطريقة، فقمت بترجمته.. ثم حاولت أن أعثر على كتاب مختص بالإلحاد كمفهوم قائم بحد ذاته، دون أن تكون له علاقة بالإلحاد في التاريخ الإسلامي أو المسيحي لحساسية مجتمعاتنا العربية من هكذا مفهوم، فقمت بترجمة كتاب بعنوان (الإلحاد في العصور الوثنية القديمة) لأستاذ جامعي سويدي هو أ. ب. دراتشمان، وفيه تطرق الكاتب لمفهومي الإلحاد النظري والإلحاد العملي بآلهة الإغريق والرومان عند كبار فلاسفة ذلك العصر المدارس الفلسفية حينها، وكذلك آراء الشعراء والأدباء في الإلحاد وموقف السلطة السائدة منها.. بعد ذلك توجهت إلى مجال الفلسفة السياسية ولفت انتباهي كتاب بعنوان (الأساس الأخلاقي للديمقراطية) لمحاضر في جامعة شيكاغو يدعى جون هاللويل، صدر أول مرة عام 1962، وفيه بحث عن آراء فلاسفة السياسة بالديمقراطية التي تراوحت بين مؤيد أو معارض لها أو على الأقل مشكّك بجدواها.
وخلال مطالعتي لكتب الأدب العالمي والنقد الأدبي، وخصوصاً تلك التي تتناول فن القصة القصيرة، مرّ معي هذه المرة الكثير من الاستشهاد بقصص الكاتبة الإنكليزية (كاثرين مانسفيلد)، على اعتبارها أحد أهم رواد الحداثة في هذا الجنس الأدبي بالتحديد، وقد نالت موهبتها الفذة اعتراف وإعجاب كبار كتاب عصرها بها، بمن فيهم فرجيينا وولف و أرنست همنغواي.. ولكن للأسف لم يُعرّب إلا النزر اليسير من إبداعها – باستثناء مجموعة أو مجموعتين لها- على الرغم من المسافة الزمنية الشاسعة التي تفصلنا عن هذا الإبداع والتي تقارب القرن، وعند بحثي عن مجموعاتها القصصية، لفت انتباهي مجموعة لها بعنوان (شيء طفولي وقصص أخرى)، وقد قامت بتصدّير مجموعتها هذه بقول جميل لكاتب أحبه كثيراً هو أنطون تشيخوف يقول فيه:
سُئل طائر صغير: لماذا أغانيك قصيرة جداً؟
فأجاب: لأن لدي الكثير من الأغاني لأغنّيها.. وأودّ أن أغنّيها كلها
فقمت بترجمة المجموعة، وقدمتها للهيئة السورية للكتاب التي وافقت على نشرها، حيث اعتبر أحد قرّاء الهيئة أن هذه المجموعة هي أجمل ما أبدعته كاثرين.
أما الآن فأنا أعمل على كتابين في آن واحد حسب الظروف الراهنة، الأول يحمل عنوان (الدافع الجنسي في الأدب) لألبرت موردل، والثاني (متصوفة الإسلام وأولياؤه) لكلود فيلد، وأرجو أن أوفق في ترجمتهما بشكل يليق بأهميتهما المعرفيتان.
لقد حاولت دائماً أن تُقدّم الأعمال التي أقوم بترجمتها إضافة للمكتبة العربية – بغض النظر عن شهرة مؤلفها- والتي هي في أمس الحاجة لجهود المترجمين من أجل إثرائها بشتى صنوف المعرفة، ولا يخفى على أحد حجم التقصير في هذا المجال الذي يعاني منه وطننا العربي، وذلك إذا ما قارنا عدد الأعمال المترجمة في وطننا خلال عام واحد، مع العدد الذي يتم ترجمته في أية دولة متقدمة في العالم خلال نفس المدة.
التاريخ: الثلاثاء25-1-2022
رقم العدد :1080