الثورة – سلوى إسماعيل الديب :
رسالة الغفران تحفة أدبية للشاعر الفيلسوف العباسي أبي العلاء المعري “رَهينَ المحبسين” وهما العمى والمنزل.
للمخرج الناقد المسرحي فرحان بلبل بصمة مميزة، بمحاولة إعادة هذه الرسالة إلى الحياة، حيث ضمت غرائب الألفاظ وحواشّيها وميّتها وبائدها، وقد أشار بلبل إلى أن كبار مُتخصصي اللغة والمتبحرين يجدون صعوبة وجهداً في قراءة “رسالة الغفران”..ليؤكد في مقدمة الكتاب أهميته، وبأنه أثر نفيس فريد حلَّق به منشئه في عوالم لم يعرف العرب مثلها من قبله، ولم يعرفوا مثلها من بعده..
*كلمات غريبة بائدة
قام “بلبل” بإعادة صياغة “رسالة الغفران”، باستبدل الكلمات الغريبة بألفاظ عادية يفهمها القارئ العادي، وهذا الاستبدال تم مع الحرص الشديد في المحافظة على نسق تركيب الجملة عند المعري وعلى تشبيهاته الرائعة التي تنبئ عن مخيلة واسعة، وبهذه الطريقة أظهر جمال أسلوبه الذي تفرد به في عصره، ويلتزم فيه بما هو متعارف عليه من أصول التأليف في عصره وبين أقرانه، فكانت إعادة صياغته لها أشبه بجلاء الحلية الذهبية المغبرة ليعود إليها بريقها ، وهذا ما فعله في إعادة صياغة رسالة ابن القارح، وعمل “بلبل” على إعادة صياغة بعض التراكيب والجمل وحولها إلى تراكيب وجمل سهلة، وذلك دون الإخلال بأسلوب المعري أو ابن القارح.
مما قال ابن القارح” وأطلعه عُجري وبجري” شرحها بلبل: أي العيوب والهموم ، وقد صارت مثلاً شعبياً متداولاً بين الناس….
*تبسيط المفردات
وأشار إلى أصعب المشاكل التي واجهته في إعادة صياغة التراكيب والجمل وهي إحالة الضمائر إلى من تعود إليه وبأن ابن القارح أشد تعقيداً من المعري في التعامل مع الضمائر..
*بعض كلماته غير مفهومة
حيث قام “بلبل” بالتحايل على الجمل والتراكيب التي وقف عندها دارسو “الغفران” ورسالة “ابن القارح” ومحققو الرسالتين وقالوا “بأنها غير مفهومة”، ليصل إلى معناها من سياق الكلام ومن الفكرة التي يناقشها ابن القارح أو المعري..
وفي الوقت الذي عالج المعري ومثله ابن القارح عشرات القضايا النحوية والعروضية واللغوية بحسب طرائق عصره في معالجتها، قام “بلبل” بمعالجتها بطرائق معاصرة يفهمها طالب المرحلة الثانوية كما يفهمها طالب الدراسات العليا..
*الحذف طال القليل
ولكنه لم يتمكن من إجراء التغييرات على الشعر، فأبقاها على حالها ولكنه قدم شرحاً وافيا ً لكل بيت شعري إن كان غير واضح المعنى ..
وقد حرص كل الحرص على ألا يحذف شيئاً من الرسالتين، باستثناء بعض الجمل والتراكيب التي لم يتمكن من الوصول لمعانيها مثل من سبقه، ويعود السبب للمعري الذي أتى بها على سبيل الأمثولة إغراقاً منه على استعمال ميت الألفاظ فحذفها “بلبل”، وهي مجموعة لا تزيد على خمسين سطر أو أكثر بقليل..
*كتاب إشكالي ومثير للجدل
وأخيراً: وبرغم تصنيف الكتاب بين الكتب الإشكالية المثيرة للجدل، وردود الفعل المستهجنة والانتقادات الموجهة لما قام به بلبل، واتهامه بأنه فتح باب التلاعب بشرح وتبسيط الكتاب، وبضرورة قراءة الكتاب بكلماته التي وصفت بالتراثية، مردود عليه، حيث إن هذا الكتاب كتب بلسان عصره حيث كانت هذه هي اللغة المتدوالة، أما في هذا العصر فأغلب مفرداته لم تعد متداولة ويستعصي على أبناء هذا العصر فهمه دون شرح، والانصراف لكتب مفرداتها أبسط وأسهل، فمن غير الممكن أن يحمل القارئ قاموساً، يعود له كلما قرأ سطراً أو بعضه، والجهد الذي بذله بلبل واضح يشكر عليه.. وتميز أسلوب بلبل بالسرد القصصي الشيق الذي يدفعك لقراءة الكتاب دون ملل.