الثورة- حسين صقر:
كلما ضاقت فرجت، ربما تكون بضع كلمات، لكنها معبرة وكما قيل: ولرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعاً..وعند الله منها المخرج.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ..فرجت وكنت أظنها لاتفرج، حيث الفرج آت، ولكن ماعلينا سوى الصبر، وموازنة أمورنا والنظر دائماً إلى كفتي الربح والخسارة، فمع استمرار الظروف المعيشية الخانقة والصعبة، بتنا أحوج ما نكون للترشيد والاستهلاك، وكما يقولون مداواة الحاضر بما حضر، لأن توفير المتطلبات بات صعباً، ولاسيما على محدودي الدخل، وهو ما تتحمل مسؤوليته ربة المنزل، إذ لايعقل أن يكون لديك خمسون ألف ليرة، وتنزل السوق وتشتري بكاملها صنفاً واحداً، وتبقى طيلة الشهر دون الحاجات الأخرى، لأن الخمسين ألفاً قد تشتري كيساً من البطاطا، وبضع كيلوات من مادة أخرى، ولكن فيما لو قسمتها بشكل صحيح قد تشتري عدة أصناف، حتى لو كانت الكميات قليلة.
وقس على ذلك المواد الاستهلاكية الأخرى، أيضاً لايعقل عندما تتوفر، أن أصرفها جميعها في يومين أو ثلاثة، وأبقى طيلة أيام الشهر دونها.
هناك عائلات كثيرة باتت تعاني ضنك العيش، وصعوبة تأمين الحاجات، لكن في ذات الوقت لا تتحكم بمصاريفها ونفقاتها، وغالباً لا تساير أوضاعها، إذ ترى رب الأسرة لا يخرج من السوق، ودائماً يعود محملاً بالأكياس المنوعة، يستدين من هنا وهناك، وعند مطالبته بالدين يتخذ موقفاً من المدين، متناسياً أن صبره على نفسه، ولا صبر الناس عليه، قاعدة يجب العمل عليها، ويجب أن يفرد قدميه على قدر البساط الذي يمتلكه، خاصة وأنه لايعتمد المواد الموجودة في منزله، والزوجة لا تطبخ إلا الخضراوات وتعتمد الأكلات والأطعمة السريعة التي لاتسمن ولاتغني من جوع، ولاسيما إذا كان لديها أطفال ً صغار.
وكي لا أُفهم خطأً، أنا لا أتحدث عن الإسراف والتبذير لدى تلك العائلات بمعناه الحقيقي، إذ ليس بمقدور أصحاب الدخل المحدود التبذير أسوة بمن أحوالهم المادية جيدة أو ممتازة، ولكن أتحدث عن مفهوم إعادة تدوير الأشياء والتحكم بما لدينا، وأضرب مثلاً على المحروقات، حيث الخمسين أو المئة ليتراً من مادة المازوت لن تكفي للخروج من فصل الشتاء، ولا حتى أربعة أو خمسة أضعافها، ولاسيما في المناطق الباردة، لكن من الضروري عملية التقسيم حتى لا أضطر يوماً ما ألا أشعل ناراً أو إبقاء المنزل بارداً طوال النهار، ويندرج ذلك على باقي الحاجات والمتطلبات كما ذُكر آنفاً.
لكن يبقى مفهوم الإسراف والتبذير منطبقاً على أولئك في بعض الحالات، خاصة وأن مصطلح الإسراف يعني باختصار هو تجاوز الإنسان الحد الطبيعي للاستخدام، كأن يكون مسرفاً في المال أو الإنفاق والمأكل والمشرب، والتبذير هو استخدام الشيء دون وعي، وبعيداً عن القواعد والأسس المعمول بها.
فالمال وسيلة تساعدنا على تلبية احتياجاتنا بالشكل الذي لايجعلنا نمد أيادينا لأحد، أو محرومين وليس أن نصرف دون وجه فائدة، أو شؤون تافهة وليست ذات أهمية، أو بشكل تبذير وبذخ.
ومثال آخر على الكهرباء التي لا نراها سوى ساعة واحدة تغذية، مقابل خمس ساعات قطع، حيث نرى المنازل على أضواء الليدات الخافتة، وعند الوصل، قد نرى بعض هؤلاء، لايتركون لمبة أو وسيلة إضاءة إلا واستخدموها، ويكونون تحت اللحاف أو الحرام، ولايكتفون بإشعال ميل واحد أو ميلين من المدفأة الكهربائية، وعلى الفور يشعلونها كلها، بالإضافة لمدافئ أخرى، ما يجعل الحمل ثقيلاً على الشبكة العامة وبالتالي القطع المركزي، وبينما يتم الاتصال بالطوارئ للإصلاح، تكون ساعة التغذية قد انتهت.
ولهذا من الضروري أن يتعامل الإنسان في المنزل أو المصنع أو الأماكن العامة بوعي وإدراك مع الكهرباء، وألا يترك المصابيح بالنهار ، أو التلفزيون والمذياع بداعٍ و دون داع.
فالترشيد لايعني التقتير والبخل، بل يعني الحرص في إدارة الموارد، وهو ركيزة مهمّة تُبنى عليها المُجتمعات السليمة، و يضمن للأفراد والمجتمع تخطي الأزمات التي تقف عقبة في طريقه، و الاستعمال الأمثل للأموال والاعتدال والتوازن في إنفاقها، والسعي لتحقيق المنفعة.