ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يكثر الحديث عن الجبهات حسب تقسيمها الجغرافي، وتتصدر «الجنوبية» منها المشهد، بعد أن أشبعت بحثاً في الكنف الملكي الأردني، وتصل في بعض الأحيان إلى مرتبة اللغط الذي يخلط بين الواقع والتسريبات والمعطيات وبين التحليلات والاستنتاجات والتفسيرات،
في مداورة سياسية لتوظيف إحداثيات ما ينتج عنها من قراءات متباينة لإعادة خلط الأوراق.
من حيث المبدأ، لا نعتقد أن هناك كشفاً للمستور أو افتضاحاً لسر حين تتم الإشارة الصريحة أو المبطنة.. المعلنة منها والمضمرة، إلى دور رسمي أردني تشبك أذرعه وتنسج خيوط ترابطه مراكز استخباراتية أميركية وسعودية وإسرائيلية، مع بعض الخلطة الخليجية التي تزداد حيناً وتتقلص حيناً آخر، ولا تغيب عن الاحتضان الاردني.
وترتفع مؤشرات الحضور الرسمي الأردني في حبكة التصعيد الأميركي عقب انتهاء الجولة الثانية من جنيف، على وقع سلسلة من القرائن والأدلة التي تدفع إلى تعويم الحالة الأردنية، والخيارات المزدوجة التي تقع على عاتقه في أن يكون خط الربط الموضوعي الذي يعبر منه الأميركي، لتفادي عسر الهضم المزمن في التعاطي مع الملف الفلسطيني والاحتشاء السياسي المغلق حيال خياراته في التعاطي مع الأزمة في سورية.
أما في الترتيب فلم تعد التفاصيل المتداولة حكراً على الدوائر الضيقة كما جرت العادة، بل يتم التدرج في إظهارها إلى العلن برغبة أردنية لم تبد اعتراضاً، على التوقيت ولا على الطريقة، والأمر ينسحب أيضاً على التفاصيل، مما يشي بأن الخطوات الأردنية على وقع ما دشنته الغرف المغلقة والاجتماعات السرية، وباتت ابناً شرعياً ومعترفاً به في الاجتماعات العلنية التي توجتها الزيارة الملكية «الهاشمية» واللقاء مع أوباما.
وكما بدأت بتسريب موافقة الكونغرس الأميركي على تسليح الإرهابيين وتحديداً من «الجبهة الجنوبية» يُراد لها أن تختتم فصولها التراجيدية في تسريب مشابه عن موافقة الأردن العلنية على مشروع الطرح الأميركي، بعد أن يتبنى خادم الإسرائيليين والأميركيين من بني سعود تسويق خطة التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، بالتزامن مع غبار الافتعال لحوادث الحدود وتسويق «بطولات» الأمن الأردني في القبض على متسللين!! وهي تستنسخ درجة الإعجاب الإسرائيلي والأميركي في إحصاء الريح التي تتجه نحو فلسطين المحتلة، لإشغال العالم بتداعياتها وتمرير الصفقة من البوابة الخلفية.
في تسخين الجبهات تفتقد الحبكة الأميركية للإتقان، ولا تبدو مقنعة وجاءت بإخراج أسوأ من الحبكة ذاتها، ولا يجيد الكومبارس داخلها أدوارهم وهم يتنازعون فيها تراتبية حضورهم، بعد أن أعيتهم التعرجات الحادة في السياسة الأميركية، ووصول البعض منهم إلى الحائط المسدود في فهم وتفسير حدة الالتواءات، وبات يستصعب تفكيك خطوط التماس المرتبكة التي يتعثر الأميركي نفسه في تحديد تقاطعاتها والممرات الجانبية الموصلة إليها.
فقد اعتادت الإدارة الأميركية في موارباتها أن تكثر من التسريبات الجانبية، وأحياناً الصادمة، الخارجة من الكواليس القريبة من صانع القرار لديها، في وقت لا تتردد الدوائر الملحقة بها في السياسة والدبلوماسية في المنطقة وخارجها من اللهاث خلفها، وهي تغرق في بحر الاستخدام المفرط لفائض النفاق القديم منه والجديد.. المستورد منه والمدجّن، بنسخته الأردنية والسعودية والتركية والقطرية وصولاً إلى البريطانية والفرنسية.
ولا ينسى الأميركي أن يرفق ذلك بحملة تحريض تمهيدية تتبدل فيها الأدوات واللوائح، وتتعدل المقاييس والنماذج، تحضيراً لجولة من التصعيد السياسي والضغط الدبلوماسي والتلويح بقائمة الخيارات، بما في ذلك سحب العسكري تارة والإبقاء عليه تارة أخرى، ويوارب في النفي والتأكيد معاً.
في السياسة لا تختلف الجبهات المفتوحة جنوباً أو شمالاً.. غرباً أو شرقاً، ولا تتباين النيران التي يشعلها البيت الأبيض بمختلف مستويات القرار لديه، حين ينتقي جملة من المواقف المتضاربة ويعيد توزيعها وفق الحاجة السياسية لتلك الجهات، فتتحرك الأصابع المشتعلة التي باتت تدرك أنها تولع النيران حيثما اتجهت، وقالوا في الماضي، من يلعب بالنار تحترق أصابعه، فكيف بمن يوقدها بأصابعه المشتعلة!!
a.ka667@yahoo.com