ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
يتوازى التحريض الأميركي مع حملة من الكذب تلحق به حينا وتسبقه أغلب الأحيان، وهي ترمي كل ما في جعبتها في سلة التصعيد السياسي والابتزاز الإعلامي، مرفقة بعودة مبتذلة إلى الدفاتر القديمة لتفتح سجالاً يرسم ظلالاً من التسخين، وتمد فتيل الاشتعال يميناً ويساراً.. غرباً وشرقاً.
وتجهد الإدارة الأميركية للإمساك بخيط الكذب المتهدل، ولا تدّخر جهداً في العمل ليل نهار على وصل ما انقطع منه، وترقيع ما يمكن في ظل لهاث لا يتوقف، ولا يهدأ، ويتفرغ كيري للسوق فيه تحت وابل من الادعاءات الفاضحة والمشينة التي أوصلت الدبلوماسية الأميركية إلى درك لم يسبق لها أن وصلت إليه.
وتقدم الإدارة الأميركية نماذج من التسويف والتضليل التي تشي بحالة من الهذيان على كافة المستويات، حين تتحوّل مفاصل القرار الأميركي والأروقة المحيطة به والقريبة منه إلى ورشة لا تتوقف عند فائض النفاق المستشري، ولا تكتفي بما أحضرته لها أدواتها من تحضيرات لوجستية، بل تضيف ما تراكم لديها في الماضي والحاضر.
وفيما السباق على أشده بين الأدوات الأميركية في المنطقة وخارجها للحاق بالكذب الأميركي الذي تجاوزهم بأشواط، تصطف على الضفاف الموازية لها تداعيات ومخاطر تتخفى وراء قفازات في السياسة والدبلوماسية، وهي تشعل المزيد من الحرائق المتنقلة في كل الاتجاهات وتشغل العالم، تحت هوس الاستماتة لتسجيل نقاط إضافية للمساومة على بساط الحلبة الدولية.
ولم تنتظر أميركا انطفاء الأضواء في القاعات السويسرية حتى كانت تتجه غرباً وشرقاً، وفي كل الاتجاهات من أجل تسويق حملة من التضليل والنفاق وبكامل ما تملكه من فائض منه، لم تعد قادرة على الإمساك بخيوطه وأطياف المجابهة على جبهات الصراع المفتوحة التي تحاول من خلالها أميركا أن تسطو على الموقف الدولي.
وفيما تواجه الإفلاس السياسي بمزيد من الكذب، تشن على الضفة الأخرى حملة من النفاق السياسي والإعلامي والدبلوماسي، وتمارس أقصى درجات التهويل التي تعيد إلى الذاكرة أجواء التحضير لعدوان مبيت وهي تبحث عن وكلائه الجدد، لم يتردد العديد من أدواتها في المنطقة من التهليل له والبناء عليه لإطلاق سلسلة مواقف تحضيرية وتحريضية تتجاوز حدود التعاطي السياسي والإعلامي، وتصل مستويات التجهيز العملياتي ليكونوا وكلاء العدوان الجدد، وربما بجبهات جديدة.
ليس من الصعب اكتشاف أبعاد حملة الكذب الأميركي، خصوصاً حين يقودها كيري الذي تفوق على سلفه باول على الأقل في عدد الكذبات وعدد المرات التي استخدمها، وهو يسجل رقماً غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية العالمية، حين يجول العواصم بحثاً عن منبر إضافي ليزيد من جداول الكذب لديه.
بالطبع لسنا بوارد أن نعد عليه كذباته، ونجزم أنه من الصعب إحصاؤها وهي التي تتكرر في اليوم الواحد أكثر من مرة، ولسنا بصدد جمع ما كذبه منذ بداية الأزمة في سورية وحتى اليوم، ولكن من المفيد والضروري استقصاء الأبعاد والعوامل وحتى الدوافع التي جعلت كيري يغرق في مستنقع الكذب من جديد.
قد لا يكون صعباً فهم ذلك في سياق قراءة التراجيديا الأميركية في التعاطي مع الأحداث على المسرح العالمي، وهو يتحضر اليوم لوضع اللمسات الأخيرة على خطة التصفية التي اعتمدها للقضية الفلسطينية، وقد دفع مسبقاً ثمن الموافقة «الملكية الهاشمية» بضمانات مليار الدولار التي منحها، وينتظر أن يبيع السعودية الضامنة ما يوازي إعادة تموضعها بالدور الجديد والوظيفة التي تعدّل من إحداثياتها وتطيل من ذرائع وجودها.
ما هو مؤكد أن الدجل الأميركي اليوم يحاول أن يعيد العالم إلى عقود بائدة، ويحيله إلى حلبة مشتعلة من المفارقات في عالم السياسة وهو يستقصي عن هذا الهوس، حيث تقلب الحقائق وتمارس أقصى درجات الاستلاب، وهو يجيّر أدوات الضغط متكئاً على ما يملكه من رصيد هيمنة استنفدت أوراقها وانتهت صلاحية التلويح بها.
a.ka667@yahoo.com