موسم جيد للأمطار شهده الساحل السوري في هذا الشتاء، ولا سيما اللاذقية، فالسدود قاربت الامتلاء، والأراضي المروية التي عطشت لسنتين أو ثلاث متتالية شربت وارتوت وباتت كسابق عهدها، الأرض الخصبة التي تنتج الكثير الكثير.
السدود قاربت الامتلاء، والمطر مستمر وبغزارة إلى اليوم هذا، ما يعيد إلى الأذهان قضية السدّات المائية في الجبال والسهول الساحلية التي تشهد أنهاراً حقيقية من المياه الفائضة، تتدفق عبر متعرّجات جغرافية متخذة طريقها إلى البحر فالهباء العدم دون أي فائدة منها.
الحرائق الكثيرة والكثيفة التي اندلعت خلال السنتين الماضيتين حتى في بدايات الشتاء (رغم انعدام الحرارة ومسببات الإشعال) لم تجد يوم اندلعت ليتراً واحداً من الماء يطفئها في مواقعها، فكانت الخسارة الأكبر انتظار آليات الإطفاء بمياهها لتحضر من مراكز المدن، في وقت كان يمكن لهذه السدّات المائية -لو وجدت من ينفّذها- أن تقضي على النار في مهدها قبل أن تقضي على ألوف مؤلفة من الدونمات الزراعية والحراجية وأملاك الفقراء.
شبكة بسيطة محدودة من السدات المائية كفيلة بريّ الأراضي المجاورة لها خارج موسم الأمطار، كما هي كفيلة بدرء خطر الحرائق التي على ما يبدو أصبحت ضيفاً ثقيلاً مقيماً في اللاذقية، ناهيك عن دورها في تلطيف الجو والمساهمة بإعادة الحياة البرّيّة إلى تلك الجبال بعد ما حدث لها نتيجة الحرائق التي ضربت المحافظة.
هي تكاليف بسيطة غير مهمة قياساً إلى النفقات الحكومية، ولا يتعدى إنشاء الواحدة منها عشرات الملايين من الليرات حتى تجني الطبيعة والزراعة والبشر فائدة عظيمة الشأن منها على مدار وجودها في الخدمة، ناهيك عن الحاجة الفعلية إليها سواء للفائدة المجنية، أم ليكون بعضها بديلاً عن سد ما لم يجد طريقه للتنفيذ حتى في فترة ما قبل الحرب.
كل الأمل ألا تكون السدّات المائية قد أُزيحت من قائمة النقاش وباتت على أعلى رفّ في مستودع النسيان، كما هو حال معمل العصائر الذي كان مُزمعاً إنشاؤه في محافظة اللاذقية التي تحتاج كل شيء بالمعنى الحرفي للعبارة.
الكنز- مازن جلال خيربك