الثورة – عبد الحليم سعود:
تتجه أنظار العالم بقلق بالغ إلى شرق أوروبا حيث التوتر بين أميركا وحلفائها في الناتو من جهة وبين روسيا من جهة أخرى على أشده بسبب الأزمة في أوكرانيا، إذ تصاعدت حدة الاتهامات بين الطرفين مؤخراً على خلفية النزاع الدائر في شرق أوكرانيا، فالدول الغربية تتهم روسيا بالتخطيط لغزو هذا البلد وهو ما تنفيه موسكو جملة وتفصيلاً، وهو ما يقع في خانة الحكم المسبق على النوايا، في حين أن موسكو تؤكد أن الناتو يسعى للتوسع شرقاً لضم أوكرانيا إليه بما يشكل خطراً على أمنها القومي، وهو حقيقة واضحة لا لبس فيها.
فهذا الهدف الغربي معلن وغير مخفي، وقد أكدته العديد من الوقائع السابقة، حيث ضم الحلف إليه العديد من الدول الشرقية والتي كانت جزءا من حلف وارسو سابقاً بتشجيع وتخطيط من الولايات المتحدة، ولايزال السعي الأميركي والغربي مستمراً في هذا الاتجاه لمحاصرة روسيا عبر ضم أعضاء جدد للحلف من ضمن الدول التي كانت تشكل جزءا من الاتحاد السوفييتي سابقاً، بذريعة أن الانضمام هو قرار سيادي لهذه الدول من دون مراعاة الهواجس والمخاوف الروسية المترتبة عليه.
لا شك أن المنطق الغربي في التعاطي مع روسيا في هذه المرحلة يشوبه الكثير من الخداع والنفاق والتضليل، وهو منطق قائم على إرث من العداء التاريخي الذي يعود لحقبة الحرب الباردة التي يستعيدها حلف الناتو مجددا من خلال تدخلاته في أوكرانيا ومناطق أخرى بحجة الدفاع عن السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، ومن المستغرب أن يتم اتهام روسيا وهي التي تستشعر خطراً غربياً حقيقياً على حدودها بأنها الساعية للغزو والتمدد، وقد سبق لها أن أعطت الدبلوماسية والحوار مع الغرب المجال الأكبر لتفادي أي صدام جديد يهدد أمن واستقرار أوروبا والعالم، وحافظت على تمثيل دبلوماسي داخل الحلف من أجل استتباب الأمن والسلام في القارة العجوز ومنع التوترات من الانجراف إلى نزاعات أو حروب، إضافة إلى سعيها بإقامة أفضل العلاقات الاقتصادية مع جيرانها الغربيين وتأمين احتياجاتهم من الغاز، غير أن الناتو الذي يتبنى استراتيجية المواجهة والهيمنة والتمدد هو الذي أخل بكل تعهداته السابقة مع روسيا سواء في أوكرانيا – اتفاق مينسك – أو شرق أوروبا عموما، وهو ما دعا موسكو مؤخراً لمطالبة أميركا وحلفائها بضمانات أمنية بعدم تمدد الحلف شرقا والتوقف عن نشر الدرع الصاروخية في شرق أوروبا.
ما يؤكد أن نوايا الناتو تجاه روسيا عدوانية واستفزازية بالمطلق هي حملات التضليل اليومية التي تشن بشكل يومي لإقناع الرأي العام العالمي أن روسيا هي التي تسعى للغزو والحرب مع أنها في حالة دفاع عن نفسها وعن مصالح أمنها القومي، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية والمالية التي يفرضها الغرب بحق روسيا بالتزامن مع الضغوط السياسية والتهديدات العسكرية والاتهامات الباطلة، وهي محاولة خبيثة لتهيئة العالم لأجواء حرب جديدة تهدد الأمن والسلم الدوليين وتنسف الاستقرار العالمي الهش.
وقد كشفت روسيا مؤخراً أن خمس دول غير نووية في حلف الناتو “يوجد فيها حوالي 200 قنبلة نووية أمريكية من عائلة بي 61، ولدى الحلف في الوقت نفسه، إمكانية على نشر سريع لأسلحة نووية قادرة على تحقيق أهداف استراتيجية في الأراضي الروسية، وبالتالي لا شيء يمنع أميركا من نشر أسلحة نووية جديدة في أوكرانيا في حال انضمامها إلى الناتو ..فهل هناك ما هو أخطر من ذلك على أمن واستقرار روسيا، أليس الجدير بدول حلف الناتو أن تطمئن روسيا وترد بشكل إيجابي على رسالة الضمانات الأمنية بدل أن تخترع الأكاذيب والأضاليل المختلفة حول التهديدات الروسية المزعومة في أوكرانيا..؟!.
لا شك أن استمرار حلف الناتو ومن ورائه الولايات المتحدة بهذه العقلية العدائية تجاه روسيا والصين والعديد من الدول الأخرى المناوئة لسياسات الهيمنة الغربية سيشعل فتيل الكثير من الأزمات والحروب حول العالم، وسيعيد البشرية مجدداً إلى أجواء الحرب الباردة التي دفعت شعوب كثيرة حول العالم أثمانا باهظة لها، فكيف الحال إذا كانت التهديدات الحالية تتضمن أي احتمال لاستخدام الأسلحة النووية أو التلويح بنشرها أو استخدامها كما يفعل الناتو في شرق أوروبا..؟!.