رغم الفرص اللامحدودة التي وفرتها وسائل التواصل الإجتماعي للتجارب التشكيلية على مختلف مستوياتها وانتماءاتها، فإن الحديث عن تقصير الإعلام بالتعريف بهذه التجارب لم يتوقف أبداً..
قد يكون بعض أسباب الالتباس حول دور الإعلام بالفن التشكيلي هو واقع الحركة التشكيلية عندنا منذ النصف الثاني من القرن الماضي، فقد بدت هذه الحركة، وخاصة في العقد الأخير منه وكأنها تتقدم معظم الأنشطة الثقافية والإبداعية، غير أنه رغم كلّ مظاهر الحيوية فإن الفن التشكيلي لم يحتل موقعاً فاعلاً في حياتنا الإجتماعية، أو يصبح (سلعة ثقافية) مطلوبة من الجمهور الواسع – إن صح التعبير – فجمهوره حتى الآن لا يزال جمهور نخبة، سواء كانت من المهتمين بالثقافة، أو محبي الفن، أو مقتني الأعمال الفنية المدفوعين بغايات اقتصادية، ولعل هذا ما أثار قلق بعض الزملاء الصحفيين من تنامي ظاهرة العرض والاقتناء منذ منتصف الثمانينات، ودفع آخرين للحديث عن تقصير الإعلام.
من المؤكد أن موضوع العلاقة بين الفن والجمهور هو أوسع مما يحتمل المقام، إلا أنه أيضاً موضوع غير قابل للتجزئة بسبب ترابط وتكامل العوامل التي ساهمت في صنع الشكل الحالي لتلك العلاقة وفي مقدمتها مفاهيم اجتماعية واقتصادية، لعبت الدور الأكبر في كبح تطلعات الرواد إلى نهضة تشكيلية تحاكي ما كان قائماً في أوروبا، وامتد تأثيرها إلى ما بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، وكان لا بد لما سبق أن يترك تأثيره المباشر في العامل الثاني من عوامل العلاقة بين الفن والجمهور، وهو الأسرة، ولذلك هي قليلة تلك الأسر التي تساهم بتعريف أبنائها على الفن، وكان بإمكان المدرسة تدارك الأمر لو أنها تعاملت مع مادة التربية الفنية المقررة في المناهج على أنها مادة للتربية الفنية وأولتها ما تستحق ولكن هذا لم يحصل، وشاهدنا في الواقع أن مادة التربية الفنية اعتبرت في أحسن الأحوال دروساً لتطوير المهارات اليدوية، كتعليم الرسم وبعض الأشغال اليدوية، وفي كثير من الحالات كان ينظر إلى دروسها كدروس احتياطية للمواد الأكثر أهمية كالرياضيات والعلوم واللغات، وينطبق الأمر ذاته على الجامعة حيث تكاد تغيب الثقافة الفنية عن المناهج الجامعية جميعاً، وعلى مستوى النشر الثقافي فنلاحظ أنه لسنوات طويلة لم يكن الإهتمام بنشر كتب الثقافة الفنية ليتناسب مع الرغبة في تعميمها، فما بين الستينيات والسبعينيات نشرت وزارة الثقافة 1291 كتاباً في مختلف المواضيع الثقافية منها 24 كتاباً فقط حول الفن التشكيلي، أي أن المواضيع المتعلقة بالفن التشكيلي شغلت أقل من 2% من إجمالي إصدارات الوزارة، ومن جهة ثانية تمثل عناوين الفن التشكيلي حالة نادرة في منشورات اتحاد الكتاب العرب.
وقد تباين دور الإعلام إثر ازدياد أثر التلفزيون في حياتنا، فقد أدت الصحافة المكتوبة في البداية دوراً هاماً في التعريف بالفن التشكيلي، ولكن هذا الدور لم يكن خالياً من الشوائب، إذ نشرت الصحف جنباً إلى جنب كتابات المختصين وكتابات غير المختصين التي غالباً ما حفلت بالأخطاء الناجمة عن ضعف المعرفة بهذا الفن الجديد، وعن سيادة أفكار عامة ومسلمات مسبقة حول مهام الفن التشكيلي وكيف يجب أن يكون.
أما التلفزيون فقد كان دوره – للأسباب السابقة – متواضعاً للغاية في مجال نشر الثقافة الفنية وصنع الذوق الفني، رغم أنه منذ بدايات انطلاقته قدم جهوداً كبيرة للتعريف بالفن التشكيلي، وبالفنانين السوريين الطليعيين أمثال (فاتح المدرس) و(لؤي كيالي) وسواهم من خلال البرامج التي كان يعدها ويقدمها الإعلامي والفنان التشكيلي (مروان شاهين)، كما أنه عرضت في أوقات لاحقة برامج هامة عن الفن التشكيلي غير أن هذه البرامج في واقع الحال تتجه إلى الشريحة ذاتها من المهتمين، لا بسبب علة فيها، وإنما بسبب عدم اهتمام الشريحة الأكبر من جمهورنا بالفن التشكيلي أصلاً.
لهذا فإن الصورة التلفزيونية لم تترجم حتى اليوم المستوى المتقدم للفن التشكيلي السوري، سواء على مستوى الديكور أو الشارات البرامجية أو الفواصل الترويجية، وبالتالي لم تساهم في الارتقاء بالذوق الفني العام، شأنها في ذلك شأن معظم الصور التي نلقاها في الأبنية والشوارع وحتى الثياب.
إضاءات – سعد القاسم