الملحق الثقافي:خالد عارف حاج عثمان:
الألم هذا الشعور الموجع، و الاحساس الممض الذي يجتاح الإنسان فيحطمه ويكسره، يجرحه، يقض مضجعه، يؤرقه، في الليالي يسهره، يسهده، يقهره، وربما يميته، وإن لم يحله جثة هامدة، حوله إلى مايشبه الطيف أو خيال- المآتة – كما يقال أو إلى شبه انسان، لايبقي منه سوى هيكل عظمي إذا مافتك به المرض أو العصاب الناتج عنه.
هذا هو الألم من الناحية السلبية القاتلة، القاتل الصامت والصارخ أيضًاً!
لكنما هناك ألم من نوع آخر من حيث النتيجة ، إنه الألم الإيجابي النتائج، الألم الذي كان سبباً في إنجاز وخلق، وابتكار مالايعد أو يحصى من مخرجات الإبداع فناً تشكيلياً، أو ادباً، أو موسيقا ، غناء، تمثيلاً. .الخ. .
نورد هذا الكلام مدخلاً لديوان» آلام « بأجزائه الثلاثة للشاعر نديم محمد ..كرؤية عامة. .لكن
بين يدينا منجز إبداعي شعري من مخرجات: آلام» لدى أحد أهم رواد شعر الرومانسية في سورية ،
للشاعر نديم محمد. .في جزئه الأول والموسوم» ب « الأناشيد. .وفي ظلال واحته سنتفيأ ستكون
فمن هو الشاعر نديم محمد؟
و كيف تتجلى الذات الشاعرة، والحب، والمرأة، وغير ذلك في نصوصه المنشدة
وماهي فلسفته الجمالية المقترنة بالشعرية لديه؟
نديم محمد :
الملقب» بشاعر الألم.
ولد في عام 1908 في قرية عين شقاق في قضاء جبلة ـ محافظة اللاذقية.
توفى عام 1994.
– فضاءات « الأناشيد « في آلام نديم محمد
يقع»
الأناشيد»- وهو الجزء الأول من الديوان، صدر في دمشق سنة 1953م عن» مطبوعات المكتبة الكبرى للتأليف والنشر بدمشق «
يقع في / 217 / صفحة من القطع المتوسط، سفح الشاعر على بياضها دم أشواقه، ونزف آلامه وصدى حبه وغزله، وأناشيد وتوقه الدائم إلى المرأة، و روحه الساعية إلى الخلاص من الآلام..بمفهومها العام والخاص..
اثنان عشرون نشيداً، تمثل بوح وهمس وغناء ونقد وشجن وانسكاب الترياق الشعري المضمخ بعبق ورائحة الألم المقدس والحب والتشبيب الجميل والخالص بالمرأة كمظهر وخصيصة من خصائص الرومانسيه وتجلياتها في عبارة شعريه أنيقة معبرة أصدق تعبير عن الذات الشعريه في سعيها الدائم والحثيث للانطلاق باتجاه أمداء في غاية العمق والروعة..
في البداية وبعد العتبة النصية الأولى العنوان والصورة الشخصية للشاعر يطالعنا الإهداء : « إلى حواء… خطيئتي « لتبرز» المقدمة» وقد سطرها الشاعر بقلمه مشيراً من خلالها إلى الموسيقا الفن الرسم والشعر: بأوزانه وفكرته وعمقه وروحه وديباجته ..وكل هذا يشي بفلسفة الشعر لاسيما المنتمي إلى الرومانسية والشعرية..
يقول :
ومثل الشعر، كمثل الموسيقا والرسم…وإن كان غير مقيد بفكرة، أو محصور، بتعبير، فإن له قاعدتين هما اللغة والأوزان وخطوطاً أهمها..الفكرة..العمق..الروح والفن..»
تنفتح الأناشيد على العديد من الافكار والمعاني التي تؤلف بمجملها مضمون الديوان وفضاءاته التعبيرية وانسراح الذات الشعرية المبدعة لنديم محمد. .
لقد جاءت الأناشيد ليغني الشاعر من خلالها آلامه وأوجاعه وأولها آلام الحب والعشق والاغتراب في حال قطع الحبيب لحبل الود أو صرمه فالشاعر ينحل جسمه ويصاب بالضعف والهزال والمرض واللوعة عندما يبتعد الحبيب عنه :/
ماأبالي شحوب
لوني وضعفي
ونحولي ورقتي وسقامي/
ومايزيد عذابه هنا أنه يتذكر الايام الخوالي السعيدة وكيف أنها غدت ذكريات.
لقد غدا الشاعر هرماً وإن هذا الإحساس لوحده يصيبه بنوع من ألم الكآبة والتحسر على الشباب :
/أفيرضيك أن يحطمني اليأس
وألقى في كل يوم حماسي؟ /
إن للمرأة حصة كبيرة في أناشيد الرجل فهي المعشوقة والعاشقة..هي القتيلة والقاتلة..هي الحلا والجمال والشهوة وهي الخطيئة…هي الطبيعة بعناصرها وحلو ونضج ثمارها لذة للآكلين العاشقين ولعمري هو من أكثر الناس رؤية للمرأة على هذا النحو..
ومع ذلك وبالرغم من كل ماتمنحه المرأة من كرم العطاء وجميل السخاء إلا أن الشاعر كان ينتقدها وينتقد تقصيرها.
وهو وإن مزج بينها وبين الطبيعة إلا أن هذا لم يلغ نقده لها..
لنسمعه كيف يزاوج بينها وبين الطبيعة .. وينقدها :
/ يوم كان الهوى غذاء وريا
وعقوداً من الزهور تغارين
وربيعاً وناي راع وتغريد
طيور وصوت حاد من بعيد /
ثم يغمز من قناتها فيصرح /
ياعروس الحلي والمال والجاه
الموشى بألف وعد حميد /
نعم إن للحب آلاما والشاعر لاينكر ذلك بل يوضح هذا كل التوضيح:
الهوى ذكره رجوع إلى الدمع
رجوع إلى العذاب المرير /
تزداد في الأناشيد المقاطع التي ينتقد فيها الشاعر المرأة وبخلها بالرغم من أنه في الغالب يتغنى بها وبسحرها وجمالها لاسيما المرأة الريفية السمراء منشداً لها : /
من بنات القرى البكائر سمراء
كريم الغناج رود المجون /
وفي مكان آخر :/
وصبايا القرى من الحسن والعفة
كالسوسن النقي البليل /
ومع ذلك يبقى الشاعر عاشقاً للمرأة من الطراز الأول حتى أنه لقب بشاعر العواطف وشاعر الحب
وفيها قال أجمل القصائد وأنشد أروع الأناشيد. .
منك نوحي وفي شفاهك
ألحاني ..وفي راحتيك خمري وصابي
في حمى الحب لانجوع ولانعرى
وهاك التهم وجرر اهابي. /
تتعدد موضوعات الأناشيد فبالإضافة إلى مامر معنا من مواضيع يبرز تطالعنا أفكار ومضامين أخرى مثل الخمرة المشعشة في ذهن وخاطر وحياة الشاعر. .
فالخمرة تعمل عملها في ذات الشاعر وقد أفرد لها مكانة عظيمة في أناشيده وقبلها طباعه وسلوكه يقول في الخمرة واصفاً لها ومعبراً عن شهيته الدائمة إليها وشوقه لشربها: / وتلوت على المدى شهوة الخمر
بصدري وعربدت في مهادي /
فالشاعريتبع.
فالشاعر يحن للخمرة، ويطلبها، ويستسقيها منشداً وهو مخمور:
/فاسقني ياغلام مبثوثة
الأعين لف الأطواق كالأرصاد
قهوة مرة تفجر بالسكر
صحراء وحشتي وسهادي /
وكما كل الرومانسيين..
انبهر الشاعر محمد بالطبيعة ..لاسيما طبيعة الساحل وتحديداً الريف السوري الجميل منطلقاً من قريته الساحرة ذات الطبيعة الخلابة..عين شقاق..
مرتمياً في أحضانها ينشد :
/ حلم نائم أضاءت عليه الكوخ
في يوم هدأة وحرور
حلم على العيش مفرداً في أعالي
الريف إلا من قصبة وسمير /
وهناك أفكار عديدة تسكن طيات الأناشيد.
كالتغني بالريف ومقارنته بالمدينة..وتعريف الحب والعتاب واللوم وذكر الشباب والشيخوخة.. كما تضمنت الأناشيد قصة شعريه.. ووصفاً للمرأة وجسدها
كما يستوقفنا في الأناشيد وصف
للجنة والنار :
/فألاقي خمائلا ونهورا
من خمور روية النسيم
وغصونا أوراقها سندس حي
فطيم الندى وغير فطيم /
تلكم الجنة. .الفردوس السماوي. .
أما جهنم فيقول فيها: /
خيامي على تخوم الجحيم
فأرى حية بطول السماوات
تمضغ الجمرة العظيمة كالدنيا
وتسقى من مارج من حميم /
إنها المشهدية التي برع فيها نديم محمد في أناشيده. .
وفي كل ماوصف وشعر. .
وخاصة هنا حين تحدث عن الجنة والنار مستعيراً صورتيهما من القرآن الكريم..والكتب السماوية الأخرى.
التاريخ: الثلاثاء1-2-2022
رقم العدد :1081