(المشاع الإبداعي.. وسرقة المحتوى)

مواثيق شرف تنهال من كل جانب: الميثاق الصحفي، ومثله الأدبي، والآخر الثقافي، والفني، وغيره.. وذلك للحماية من انتهاك الملكية الفكرية لأصحاب أي منتج إبداعي من سرقة جهودهم، كما للالتزام باحترام حدود الملكية حفاظاً على حقوق الأفراد الأدبية.. وتكاد هذه الحقوق توازي حقوق الإنسان بمفرداتها العديدة مادام الفكر مهماً كالجسد، وهو يحتاج إلى ما يحميه، ويبعد عنه ما يكدره.

وهنا نقف وقفة مع ما يحل بهذه المواثيق من تمزيق لمفرداتها على أيدي مَنْ يتجاوزون عليها، ليس من أهلها بالطبع بل ممن يدخلون إلى ساحتها دون دراية منهم أن هذه المواثيق لا يجري تطبيقها على زملاء المهنة فقط ــ وهم بطبيعة الحال يحترمونها ويلتزمون بها ــ بل إنها تنسحب أيضاً على غيرهم من الذين يتطلعون لأن ينضموا بشكل، أو بآخر لواحدة من تلك المهن التي تتعلق بأيٍ من مجالات الثقافة التي تغذيها دوريات الصحافة، أو كلمات الأدب، أو لمسات الفن.

من الأكيد أن التأثر بالآخر أمر شائع، ووارد، وهو يتحقق تحت مسمى (الإعجاب)، كما (الاقتناع)، ومَنْ منا لم يتأثر بكاتب، أو فنان أثرى ثقافته حتى غدا نموذجاً يقتدي به.. وإذا ما اقتبس أحدنا منه لوناً، أو لحناً، أو كلمة، وضعها بين قوسين، وهو يشير إلى صاحب الحق على أنه صانعها، أو مبتكرها.

هكذا كان حالنا قبل عصر (الميديا) أو شبكة المعلومات، وقلما حصلت في تلك الفترة التجاوزات بأن ينسب أحدهم إلى نفسه جهد غيره الفكري، أو الإبداعي، وإذا ما فعل كانت الفضيحة التي تعلو أجراسها بين الأوساط الثقافية، أو الصحفية، أو الفنية.. لتشتعل بالتالي الخصومات، وتبادل الاتهامات، والمعارك الكلامية، والمشادات.. ولم يكن أمر تقصي الحقائق في تلك الفترة متاحاً بسهولة كما هو الحال معه الآن عبر شبكة المعلومات التي تفضح صفحاتها لصوص الإبداع بمجرد الدخول إلى محرك البحث، وبحركة سريعة تنكشف الحقيقة.

وها هو المشاع الإبداعي أيضاً ذلك الانتاج الذي انقضى وقت على إصداره حتى أصبح مشاعاً فإذا يستهان به، ويصبح متاحاً لكل مَنْ هبَّ ودبَّ، وإذا بصفحاته تصبح نهباً بيعاً، وشراءً، ونقلاً، واقتباساً، ولا إشارة إلى حقوق أصحابها أو ورثتها، أو الحقوق الأدبية للنشر التي يجب أن تكون محفوظة لصالح النص الأصلي نفسه، فلا يعاد نشره من قبل جهات مجهولة الهوية لاستفادة مالية منه، كما لا يجوز أن تمهر صفحاته بأسماء جديدة في تحريف، وتزوير.

لقد ساعدت شبكة المعلومات على تحصيل جميع المعارف قديمها، وحديثها، وأصبحت الثقافة بكل مفرداتها معروضة أمام الجمهور ليطّلع عليها، ويستفيد منها، لا لكي يتجاوز عليها في سرقة لمحتواها وكأنها البيادر المبذولة أمام الغربان لتنهب منها ما تشاء، وسرقة المحتوى لا تقتصر على العبارة بل إنها تتجاوزها إلى الفكرة وهي الأخطر، والأهم، ليصبح لها مالكاً آخر غير مبتكرها الشرعي.

إن فعل السرقة ليس بجديد فهو موجود لدى البشر، وكما تُسرق الأشياء كذلك تُسرق الأفكار، والعبارات.. وكلما تطور عصر تطورت معه أدواته حتى أصبحت من أدوات العصر ما تفعل فعلها في القص واللصق، ليغيب معها الحق، وتتسع دائرة الزيف، وهكذا ينسب الابن غير الشرعي إلى غير أبيه.. فلا مشاع إبداعي يحميه اسم صاحبه، ولا منتج معاصر تحميه حقوقه، والمواثيق التي دوِّنت لأجله.

وإذا ما اختلط الحابل بالنابل بين قديم وحديث، وأصيل ومزيف، ومشاع وغير مشاع، وجبت المطالبة بضوابط صارمة على صفحات شبكة المعلومات تحمي المبدع، وإبداعه.. بل ربما طالبنا بخوارزميات جديدة تُعد خصيصاً لكشف المحتوى المسروق إذا ما وجد طريقاً له للنشر الإلكتروني.

للكلمة شرفها وهي تسقط في موضعها، وكذلك هو الحال بالنسبة للفنون على تنوعها وهي تقدم إبداعها في احترام لجمهورها، وحقوق الملكية الفكرية تصون الفن، والأقلام.. لكن يبقى على مَنْ يتجاوز على الحقوق، وبقلب شجاع ربما أوصله لفوز مزيف بالجوائز، أن يحاسب نفسه قبل أن يأتي وقت يحاسبه فيه غيره.

اضاءات – لينا كيلاني

 

آخر الأخبار
معسكرات تدريبية مجانية للنشر العلمي الخارجي بجامعة دمشق "كايزن".. نحو تحسين مستمر في بيئة العمل السورية نحو اقتصاد سوري جديد.. رؤية عملية للنهوض من بوابة الانفتاح والاستثمار بناء اقتصاد قوي يتطلب جهداً جم... اليابان تدرس.. ونائب أمريكي: يجب تعزيز التحالف مع سوريا استطلاع (الثورة) للشارع السوري في فرنسا حول رفع العقوبات مسابقة الخطلاء للشعر النبطي تخصص لسورية صيدلية مناوبة واحدة في مدينة طرطوس والنقابة توضح حذف الأصفار من العملة.. ضرورة أم مخاطرة؟! تأخر في استلام أسطوانة الغاز بدرعا مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية نقل مواقف الباصات لجسر الوزان .. بين الحل المروري والعبء الاقتصادي مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين قوافل حجاج بيت الله الحرام تبدأ الانطلاق من مطار دمشق الدولي إلى جدة مرسوم رئاسي حول الهيئة العامة للتخطيط والتعاون الدولي "السورية للمخابز": تخصيص منافذ بيع للنساء وكبار السن  د. حيدر لـ"الثورة": زيادة "النقد" مرتبط بدوران عجلة الاقتصاد  وفد صناعي أردني  و٢٥ شركة في معرض "بيلدكس" وتفاؤل بحركة التجارة نوافذ التفاؤل بأيدينا...    د .البيطار لـ"الثورة": الدولة ضمانة الجميع وبوابة النهوض بالمجتمع  "الاختلاف" ثقافة إيجابية.. لماذا يتحول إلى قطيعة وعداء؟ الأمم المتحدة تكرر رفضها لخطة المساعدات الإسرائيلية الأمريكية لغزة