الثورة – تحقيق – سهى درويش :
ظاهرة التسوّل حرفة يعتاش بها من استسهل الحصول على المال بأقل جهد، فالشوارع ساحتهم وكلمات الاستعطاف بضاعتهم ، وهذه الظاهرة تتشابه عالمياً بأسبابها وظروفها وحتى أساليبها، فماذا عنها في مدينة حلب ..؟!..
*في شوارع حلب وساحاتها..
فنون متنوعة في استجداء المال ، تحولت لمهنة تحتاج لأساليب وأدوات تفي الغاية ، وتحديداً في الأماكن المستهدفة من قبل المتسولين كالأسواق التجارية، والحدائق وأمام المطاعم ، فمنهم من اتخذ من علبة بسكويت أو علكة وسيلة كبعض أطفال شاهدناهم عند سينما الزهراء بحي العزيزية أمام المحال التجارية يتصيدون الإناث أكثر من الذكور ربما لاعتقادهم أنهن أكثر عاطفة، وفي حال الصد المزعج لهم قد تكون الكلمات النابية جاهزة.
*فنون الاستجداء..
ومنهم من افترش الأرض وتظاهر بالمرض لينال الاستعطاف واضعاً علبة كرتون لا يزيد محتواها عن المئتي ليرة،ومالفتنا تموضع سيدة في محطة بغداد قريبا من محال الوجبات السريعة ومعها طفل بعمر الأشهر وتطلب ثمن علبة الحليب له وفي سؤالنا لها عن زوجها وعائلتها أجابت بأنها على خلاف معه ولا يعطيها المال من أجل الطفل ، وأهلها فقراء ليس بإمكانهم إطعامها أو احتواءها مع طفلها ، وعند الحديث معها بتأمين عمل رفضت بشدة مستعرضة لائحة مبررات صحية واجتماعية وغيرها ، وفي نظرها التحنن عليها وعلى ابنها ثواب ، وطبعا حوارنا معها كان بعد إعطائها مايشجعها على الكلام واستحضار التعابير والكلمات التي لا تشعرها بالإزعاج.
*تسول منظم..
أما الأكثر خطورة وجدناها في ساحة سعدالله الجابري وبارون لعدد من الأطفال في أعمار صغيرة ينتشرون بين المارة والسيارات ويستجدون المال وقد تربط بين هؤلاء الأطفال علاقة أخوة أو تبعية واحدة فهم موزعون بأعمار متفاوتة بين الرابعة والعاشرة ويترقبون بعضهم في نفس المحيط وكأنهم على أهبة الاستعداد لمواجهة أية مشكلة قد تعترض أحدهم وهذا ما تلمسناه خلال محاولة الحديث مع أحد الأطفال الذي اقترب منا طالبا ثمن طعام وبعد سؤاله عن اسمه وسبب طلبه للمال وأهله جاء رفاقه للهروب به ، ولعل الأكثر إثارة للدهشة يكمن في تحديد سعر التسول بقيمة ربطة الخبز أو وصفة طبية أو طعام معيّن وأشياء أخرى.
*الشؤون : لم يعد لنا دور..
مدير الشؤون الاجتماعية والعمل بحلب صالح بركات بيّن لنا أنه لم يعد للمديرية دور في مكافحة هذه الظاهرة ، حيث كانت دوريات المديرية تقوم بالمهمة والآن أوكلت للشرطة التي تقوم بتسليم المتسولين والمتشردين للقضاء الذي ينظر بأوضاعهم ويبت بأمرهم حسب الحالة سواء بتسليمهم لجمعية رعاية المتسولين و المشردين أو مشفى الأمراض النفسية أو ذويهم.
*جمعية رعاية المتسولين والمتشردين..
مديرة جمعية رعاية المتسولين والمتشردين في حلب” آية نمور” والمتخصصة في هذا المجال رأت أن هذه الظاهرة حتى الآن لم تلقَ الاهتمام الكافي والرعاية ، وأسبابها ومشكلاتها كثيرة، وبحاجة لدراسات اجتماعية ميدانية لمعالجتها ، وأغلب ما نشهده من المستضافين في دار رعاية المتسولين والمتشردين التابع للجمعية من الأطفال بين عمر/ ه/ إلى/١٢/عاما، يعانون من مشكلات أسرية زجتهم لواقع التسول وحتى التشّرد،منها وفاة أحد الوالدين أو الانفصال وحتى التعنيف الأسري ، وقد لا يجد الطفل الرعاية الكافية والاحتضان مما يدفعه لامتهان التسوّل، فهو يجد الطريق الأسهل والمكسب في نظره للحصول على المال ، وقد تكون حالة التحنن على المحتاج بالمال من الأسباب التي قد تدفع البعض التسول كونه حصل بسهولة على بعض المال.
وأضافت “نمور” أنه من خلال متابعة المتسولين الذين تمت رعايتهم وصلنا إلى نتائج مرضية واستطعنا دمجهم بالمجتمع بعد خروجهم من الدار بشكل إيجابي وفاعل، وهذا تطلب منّا جهوداً كبيرة ، حيث نعمل على إعادة الفكر والشخصية من أجل الحد من ظاهرة التسول وتعزيز المبادئ والقيم للمتسولين للحفاظ على كرامتهم وتجنب عودتهم لهذه الظاهرة وإعادة دمجهم في المجتمع كأفراد فاعلين.
*لنا كلمة..
أمام واقع التسوّل الذي شمل فئات عمرية متعددة من الذكور وإلإناث تبقى الظاهرة مستمرة ، وبحاجة إلى معالجة فورية وحلولاً منطقية وحقيقية من خلال الإجراءات الحكومية وبمساعدة المجتمع الأهلي لمعرفة المحتاج من الممتهن ، وبالتالي تقديم المساعدة كل حسب طبيعته محتاجاً كان أم ممتهناً “.
تصوير : خالد صابوني