بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
واشنطن تضلل العالم حول أوكرانيا، تنشر الشائعات حولها، تتحدث عن غزو روسي وشيك لها، تريد إشعال الحرب، لا تشعر إدارتها بأي حرج من ترويج الأكاذيب، فهدفها، إضافة لتحقيق الأجندات المعروفة للقاصي والداني في محيط روسيا، هو البقاء على عرش العالم قوة مهيمنة ووحيدة، والتشبث بأسنانها بقصة القطب الواحد، حتى ولو كان الأمر شكلياً وصورياً، علَّها تستمر بابتزاز الكثيرين في غرب المعمورة وشرقها بناء على هذه الصورة التي سادت لعقود.
لكن أقطاب العالم الصاعدين كشفوا تضليلها، وتفاصيل أجنداتها، ولم تعد تنفعها لا الأحاديث عن الجدول الزمني لغزو موسكو لأوكرانيا، ولا تحديد ساعة الصفر لذاك اليوم المفترض، ولم تعد متاجرتها بحقوق الإنسان وتسويق كذبة الحرب على الإرهاب في سورية والعراق وسائر منطقتنا تجدي نفعاً للبقاء قوة وحيدة مهيمنة على عالمنا.
ربما كانت روسيا والصين أول الصاعدين إلى المنصة العالمية، لكن ثمة دول عديدة، وتكتلات دولية عديدة، باتت تحجز مكانها على المنصة العالمية، فموسكو خلطت أوراق البيت الأبيض في “أوراسيا” كلها، وفي محيطها، وكانت بكين الأكثر إزعاجاً لها بإعلانها مبادرة “الحزام والطريق” التي تنظم شرايين الاقتصاد العالمي من جديد، وبعيداً عن الهيمنة إياها.
ما يزعج واشنطن أكثر اليوم أن “الحزام والطريق” وصل إلى تخومها، وسيمر من الأرجنتين كما أعلنت عاصمتها، وكما أعلنت بكين أن ثمة انتصاراً دبلوماسياً آخر بإضافة الأرجنتين إلى المبادرة المذكورة، وتكررت الصفعة لواشنطن حين دعا الرئيس البرازيلي ونظيره الروسي في لقائهما الأخير إلى بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وأكثر من ذلك أن كل هذه الخطوات تأتي بوقت تسعى فيه إدارة بايدن لاستعادة الزخم السياسي في أميركا اللاتينية بعد سنوات من الإهمال الدبلوماسي في عهد ترامب كما تقول الصحافة الأميركية ذاتها.
إذاً لم تعد سياسات نشر الفوضى الهدامة في طول العالم وعرضه تنفع الاستراتيجية الأميركية للاستمرار بالهيمنة، ولم تعد محاضرات البيت الأبيض عن الغيرة على حقوق الإنسان والأمن العالمي تفي بالغرض، ولم تعد سياسات تدمير سورية وليبيا والصومال ولبنان واليمن وفلسطين وأفغانستان والسودان وأوكرانيا قابلة للصرف في الزمن القادم، فثمة شعوب حية انتصرت، وثمة قوى عالمية صعدت.