الملحق الثقافي:فؤاد مسعد:
رؤى مختلفة وغنية في مكنوناتها تحاول أن تعكس ما تكتنز به من أفكار عبر عوالم الفن السابع، هو سحر السينما الذي يجذبها إليه بكل ما يحمل من تفاصيل وحكايات ودلالات وأبعاد عبر تجارب يقدمها جيل شاب يحمل هواجس إبداعية يسعى إلى بلورتها من خلال كاميرا باتت رفيقته وعينه التي يرى من خلالها العالم، إنها السينما الشبابية الجديدة التي تحاول أن تحفر لنفسها موطئ قدم في خضم المشهد السينمائي العام، وإيماناً بأهمية اكتشاف هذه الطاقات ومنحها الفرصة ضمن شروط صحّية تم اتخاذ العديد من الخطوات لدعمها وإيجاد المنافذ المناسبة التي تؤمن لها ترجمة طموحاتها وتحويلها من مجرد أحلام إلى واقع ملموس بكل تجلياته ومفرداته، هذا الاهتمام الذي ازداد حضوره حتى خلال الحرب التي شنت على سورية.
هذا الشغف تلقفته المؤسسة العامة للسينما ـ وزارة الثقافة فعملت على احتضان المواهب الواعدة ضمن مشروع (دعم سينما الشباب) الذي أطلقته عام 2012، بدأ كحلم ما لبث أن تُرجِم على أرض الواقع أفعالاً بات لها حضورها في المشهد الإبداعي، يجمع فيما بينها أن النسغ المغذي لها من الشباب المتحمس المتسلح بالموهبة والمعرفة وبالروح الوقّادة للتجريب تستنهض ما لديه من طاقات وأفكار ورؤى ليدلي بها في فضاء لا حدود له من العطاء، لتغدو مع الأيام وتراكم التجربة والخبرة حراكاً فنياً ثقافياً سينمائياً يرفد الحراك القائم، يكون له لونه المتفرد الذي يمايزه ويعكس مدى أهميته في تأسيس صناعة سينمائية بيد شباب مبدع يكشف الكنوز المُخبأة ويعمل على تفعيلها بالإطار الصحيح، مساهمة في دفع عجلة التطوير في الاتجاه الصحيح.
تطورت التجربة عاماً بعد آخر رغم هنات كانت تحدث هنا أو هناك، حالها في ذلك حال أية تجربة إبداعية وليدة تكبر وتنمو رويدا ًرويداً تسير نحو أفق أبعد لأنها فعل متوقّد يشع بنوره وغناه، ربما كان الخوف أن تقف في المكان عاجزة عن تطوير أدواتها وآلياتها ولكن الخوف شكل دافعاً للتطوير مع تلمس كيفية سير التجربة وتفاعل الدم الجديد معها، وسعياً لترسيخ دعائم المشروع أكثر فأكثر ضمن إطار منهجي وعلمي جاءت الخطوة اللاحقة من خلال إحداث (دبلوم العلوم السينمائية وفنونها) وهو دورة تخصصية لسنة دراسية واحدة، ويشكل في أحد أوجهه حاملاً للمواهب الساعية إلى خوض غمار الفن السابع وذلك بالتعاون مع المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني ، وقد أقيم مؤخراً حفل تخريج الدفعة السادسة منه.
كان لا بد للأفلام التي يتم إنتاجها سنوياً أن تلقى متنفساً للعرض أمام الجمهور ولتعيش حالة المنافسة فيما بينها، وضمن هذا الإطار شكّلت السينما المعجونة بروح شابة حجر الزاوية والأساس في انطلق الدورة الأولى من مهرجان (سينما الشباب والأفلام القصيرة) في السادس عشر من شهر حزيران عام 2014 معلنة ولادة مهرجان سوري جديد يتيح الفرصة لإظهار المواهب الشابة كما يفتح الباب واسعاً أمام عروض ومنافسة حقيقية بين أفلام سينمائية احترافية قصيرة من سورية وخارجها، وخلال الدورات السبع للمهرجان قدمت أفلام لشباب متحمس، والكثير من هذه الأفلام كان له حضور مهم في مهرجانات سينمائية عربية وعالمية والعديد منها نال جوائز هامة وسط منافسات قوية.
لم تكن الأفلام التي أنتِجت ضمن مشروع (دعم سينما الشباب) على سوية واحدة، لا بل هناك بون شاسع فيما بينها، ولكنها شكّلت في أغلبها محاولات جادة، متشبثة بالحياة والمستقبل عبر ما تُقدم، وتسعى إلى إبراز ما يحمله الجيل الشاب من تصميم وإرادة وآمال للتعبير عن أفكاره، ضمن إطار فني بصري يحاكي في مجمله آلية تعامل شريحة واسعة منهم مع الواقع وفهمهم له وطريقة معالجتهم للعديد من القضايا الحارة التي تمس صميم المجتمع والغوص في عمق ما يعتلج أذهانهم من هموم وهواجس، وقد تنوعت الموضوعات التي تم تناولها ولكن غلب على الكثير منها العامل الإنساني، فطرحت مجموعة منها التداعيات الناتجة عن الوضع في سورية عبر رؤيا تمازجت فيها القسوة والشفافية معاً لملامسة وجدان الناس بشكل حقيقي ومؤثر إن كان بصيغ مباشرة أو غير مباشرة، وتناول جزء منها أيضاً أفكاراً جديدة لموضوعات قديمة كالحب والانتظار والعلاقات الإنسانية، ولم تكن آلية دمج (ذوي الهمم) بعيدة عنها، وتحقق ذلك كله عبر أكثر من أسلوب من خلال طروحات مكثفة ورؤى متنوعة وأفكار موظفة لخدمة المقولة العامة، إضافة إلى سعي أفلام لاستخدم تقنيات لها علاقة بالزمن والرمزية والدلالة، وكانت هناك محاولات جادة للنهل والتقاط روح مدارس سينمائية متنوعة للاستفادة منها في آلية تناول الحكاية والأفكار التي تقدمها النصوص، فجاءت سينما شابة جديدة تفاجئنا وتدهشنا بأفلام تحمل روح التجريب.
دعم المواهب الشابة لم يقف عند هذه الحدود فالمسيرة لا تتوقف والطموح لا ينتهي، فأمام تنامي ولع الكثير من الشباب بالسينما كوسيلة للتعبير عن مخزونهم الفكري ورؤيتهم للحياة، ومحاولاتهم البحث عن المفاتيح المناسبة للولوج إلى عوالم وخبايا هذا العالم، جاء القانون رقم (6) لعام 2021 الصادر عن السيد رئيس الجمهورية والقاضي بإحداث المعهد العالي للفنون السينمائية بهدف تخريج المتخصصين في الفنون السينمائية والتدريب والتأهيل في مختلف مجالات الفن السينمائي بما يحقق نهضة فنية في هذه المجالات، واليوم يتابع طلاب السنة الأولى الدراسة ضمن إطار أكاديمي في أحد قسمي المعهد «الإخراج السينمائي، السيناريو والنقد السينمائي».
التاريخ: الثلاثاء22-2-2022
رقم العدد :1084