الملحق الثقافي:غصون سليمان:
مريم خير بك الكاتبة المتخصصة بأدب الأطفال لها عشرات الكتب الموجة للناشئة، وصاحبة دار الحارث، عضو جميعة أدب الأطفال في اتحاد الكتاب العرب.
حول سؤالنا لها، ماذا يريد أعضاء الاتحاد من مؤتمرهم السنوي قالت خير بك:
عبر تاريخها الحديث كانت سورية الدّولة، والمجتمع، والوطن، مستهدفة وبشدّة، لاسيما بعد غرس هذا الكيان الغاصب في أقدس بقعة من وطننا العربي ألا وهي أرض فلسطين.
وكان الأديب عبر هذا التاريخ رديفاً هاماً وأساسياً لمن يمسك السّلاح ويقاتل في ساحات القتال، فارتبط النضال بالكلمة والموقف بالنضال العسكري والاجتماعي والاقتصادي، وعلى جميع الساحات.. وصار الأدباء والصّحفيون جزءاً هاماً من جميع المعارك، لذلك تركوا لنا إرثاً فكرياً ثقافياً يستنهضنا في كلّ لحظةٍ وحينٍ للاقتداء بهم.. وما فدوى طوقان وسميح القاسم وحافظ ابراهيم وعمر أبو ريشة وبدر شاكر السياب وعبدالله البردوني وغيرهم إلا قناديل مضيئة في هذا التاريخ، استنفرت همم الشباب العربي على مدى القرن الماضي وهذا القرن… ولعلّ هذا ما جعل القائد المؤسس الرئيس حافظ الأسد رحمه الله يقول لكلينتون رئيس أميركا في الاجتماع الشهير بخصوص اتفاقية السلام بين سورية وإسرائيل في التسعينيات من القرن الماضي:إنّ الكتّاب في سورية يرفضون هذه الاتفاقية، وطبعاً كان في قول الرئيس الأسد هذا رسالة سياسية هامة أراد توجيهها إلى الطرف الآخر، وفي نفس الوقت كان يعني القول فيما يعنيه من جهة أخرى أنّ الكاتب هو ضمير الشعب، ولسان حاله، ويجب أن يكون له رأيه في القضايا المصيرية لأمّته، ولوطنه سورية، الذي كان يفاوض القائد المؤسس الرئيس حافظ الأسد باسمه.
ولأنّ سورية تعني ما تعنيه دولياً وقومياً ووطنياً في هذه الظروف التاريخية، منذ القرن الماضي إلى الآن، لذلك كان اتّحاد الكتّاب العرب في سورية، المنظمة الشعبيّة الهامّة على مستوى الوطن العربي، والوطن السوري، وبما يعنيه دوره، مُستهدَفاً بأعضائه وتماسكه في الحرب العالمية على سورية، لهذا كان الكاتب السوري أمام مسؤوليّة كبرى في الدفاع عن وجوده وثقافته وتاريخه وأرضه، من خلال هذه المنظّمة، إن كان عضواً فيها أو كان خارجها، لذلك فإنّ أي تقاعس أو خلل أو انحراف لبوصلته عن قضايانا المصيرية سيؤدّي حتماً إلى خلل يتفاقم مع الأيام، ما يجعل أعداءنا يستغلونه للوصول إلى جسد الوطن وتفتيتته، ولعل هذا ما رأيناه في موقف بعض الكتّاب والصحفيين ورجال الفكر، الذين سُخّروا ضدّ وطنهم…
وأضافت أنه منذ بداية هذه الحرب، وأعداؤنا داخلياً و خارج سورية يحاولون عبر أدواتٍ كثيرة تدمير ذاكرتنا التاريخية، بتدمير الآثار، ونسيجنا الاجتماعي، وفكرنا السياسي والديني والاقتصادي، وحتّى لغتنا التي سخّروها أبشع تسخير في (ثورات ربيعهم) اللاعربي بخلق مصطلحاتٍ أصروا عليها، وصارت نسبة من شعبنا تتداولها دون وعي، ليستهدفوا في النهاية كيان الدولة بشكلٍ عام. ولعلّ هذا ما جعل السيد الرئيس بشار الأسد في لقائه الأخير بنا، وكنّا مجموعة من الكتّاب والصحفيين العرب والسوريين، يؤكّد بأن علينا أن نقوم بدورنا بصدقٍ ومسؤوليةٍ تجاه قضايا هذا الوطن، وأن نكون العين الراصدة لما يحدث له وفيه، والمدافعين عنه بالكلمة حين يحتاجنا.
وهنا لابدّ لي من القول، وأنا أتابع خطوات الاتحاد بمواكبتها لما حصل ويحصل على الأرض السوريّة من أحداثٍ جسام هدّدت كيان الدولة، أنّ هذه الخطوات كانت مقصّرة جداً بالنسبة للحالة العسكريّة العظيمة التي عشناها وعايشناها، علماً بأن الكاتب عبر التاريخ هو الأكثر تحسّساً للأحداث التي تحيط به.
وإذ أعود إلى ما قاله القائد المؤسس الرئيس حافظ الأسد لكلينتون أجد أن الرئيس كان من خلال قوله يشير إلى ضرورة التزام الكاتب جانب الوطن، والوقوف بعيداً عن التكتيك السياسي والدبلوماسي لرجال السياسة، لأنّ ممارسة الحكم قد تقتضي هذا التكتيك ضمن اللعبة السياسية، بينما موقف الكاتب يجب أن يتّسم بالوضوح، والثبات، وعدم التأرجح، وأن يكون موقفه موقفاً تقتضيه الأخلاق الوطنية الصّرفة بعيداً عن حسابات السياسة، مثله مثل الجندي في أرض المعركة…
على الاتحاد أن يكون ثابتاً في مسيرته الوطنية، التي لا تسمح بأي خلل يودي إلى مالا تُحمَد عقباه.. لاسيما في زمن التطبيع الذي يهدد وحدة الأمة العربية، وقضية فلسطين الأولى، وما يرافق هذا التطبيع من إغراءات في مرحلة دقيقة جداً من تاريخ الوطن العربي عامة وسورية خاصة.
لهذا، وبمناسبة انعقاد مؤتمر الاتحاد السنوي نؤكد أن دور الاتحاد في مواجهة الفكر التكفيري منذ بداية الحرب كان ضعيفاً ومازال، وأن خطّة وطنية يجب أن يتم البدء فيها بخطواتٍ مدروسة تعطي نتائج ملموسة على صعيد المجتمع، لأن العمل الثقافي هو محاكاة للشعب وليس لأعضاء الاتحاد، وقلة من الناس في هذه المؤسسة أو تلك، كما أنه ليس مهرجانياً يحرك الناس فترة وينتهي أثره بعد زمن قصير، كما على الاتحاد منفرداً أو بالتعاون مع المؤسسات الثقافية والتعليمية إيلاء الأطفال اهتماماً خاصاً عبر عمل غير تنفيعي لهذا وذاك، بل عبر عمل يتولاه أكفّاء قادرين على العطاء المجدي لترميم الشروخ التي أصابت ساحة الطفولة في سورية، وما أكثرها…
إن التعثّر الذي مرَّ به الاتحاد عبر مراحل سابقة، وما نتج عنه من تشكيلات إدارية وثقافية جديدة تستدعينا أن ننتظر من زملائنا القائمين على إدارة الاتحاد الآن تركيز جهودهم على العمل الثقافي بشكلٍ كبير، وإيلاءه الاهمية القصوى للنهوض بحال الاتحاد، وكي لا يظلّ يدور في المهرجانية والشعارات، وغيرها من الأمور المالية والإدارية التي قد تسِمُه مستقبلاً بأنه اتحاد إدارة المشاريع الاقتصادية بدل المشاريع الثقافية.
التاريخ: الثلاثاء22-2-2022
رقم العدد :1084