أوقفني كلام ذاك الرجل البسيط الذي يعمل بالزراعة حينما قال: ” إن سعر كيلو القمح سيصبح كسعر غرام الذهب “، فما كان مني إلا أن أجبته ضاحكةً: تقصد أن لون القمح كلون الذهب وأنا أعلم تماماً ما يقصد.
قد يكون في هذا الكلام الكثير من الصحة ولاسيما مع تقرير منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التي أعلنت عن خطورة الأيام القادمة على العالم مع تسجيل أسعار الغذاء ارتفاعاً قياسياً في شهر شباط الماضي وربط ذلك مع تداعيات الحرب في أوكرانيا.
فعندما نقرأ خبراً مفاده أن الصين بدأت بزراعة الجبال الصخرية، فهذا يعني الكثير على مستوى الأمن الغذائي للعالم بأكمله، فكيف ببلد مثل سورية كانت ولا تزال هويته الاقتصادية زراعية بامتياز؟.
هل يكفي أن نكرر هذا الكلام في كل مناسبة وآخرها المؤتمر العام لاتحاد الفلاحين الذي جعل شعاره هذا العام ” الأمل بالزراعة” ترجمة هذا الشعار؟ لابد من أن نخرج من قنوات الخطابات والكلام المعسول الذي يدغدغ الفلاح لثوانٍ فقط بدون دعم حقيقي له في أرضه التي هجرها من جراء الكثير من الأسباب ومنها الحرب.
ولا يكفي أيضاً أن تقول وزارة الزراعة: إن هناك شراكة مع الفلاح بدون أن تُقدم له مقومات تلك الشراكة من تأمين مستلزمات الإنتاج والأسمدة والبذار وشبكات المياه والكهرباء والطاقة بأسعار رخيصة مع قروض بدون فائدة للاستثمار بهذا القطاع حينها سيكون الأمر مجدياً.
نعتقد أن محاولات وزارة الزراعة لتشجيع المواطن قبل الفلاح على الزراعة من خلال تقديم الغراس خطوة جيدة على الأقل لتحقيق الاكتفاء الذاتي للأسر ليس فقط في المناطق الريفية وإنما بالمدن أيضاً، كما فعلت العديد من الدول ومنها اليابان التي شجعت على الزراعة المنزلية.
لكن حبذا لو تحدد أولويات تلك الزراعة وليكن القمح أولها، فمثلاً ماذا لو أعلنت عن مسابقة لزراعة القمح مع تقديم دعم مادي ومعنوي؟، نعتقد أن الأمر سيكون مجدياً وستظهر نتائجه الإيجابية لجهة تحقيق الاكتفاء الذاتي لكل أسرة وبالتالي للبلد بأكمله.
نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى نظرة مختلفة بالتعاطي مع القطاع الزراعي باعتباره أولوية وشرطاً لازماً ولم يعد مجرد خيار لأن الأمن الغذائي بات في خطر، نظراً للظروف الراهنة محلياً وإقليمياً ودولياً، فهل نستفيد من هذا القطاع المُجدي والذي من الممكن أن يتحول إلى ذهب؟.
الكنز- ميساء العلي