الثورة – عبد الحميد غانم:
منذ تاريخ الإعلان عن الاتحاد الأوروبي أعيد على الساحة الأوروبية طرح مسألة الأمن والدفاع المشترك كاستراتيجية ترمي إلى الاستقلال التدريجي عن المظلة الأطلسية، ونظرا للموقع الجيوسياسي الهام لأوروبا، والذي رسم تاريخها الماضي وتاريخ الكثير من مناطق العالم، فإنه ممّا لا شك فيه أن سعيا كهذا متعلق بصياغة جديدة للأمن والدفاع على مستوى القارة.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وزوال حلف وارسو وانضمام دول جديدة للاتحاد الأوروبي حتى أصبح عدد أعضائه ثلاثين عضوا، أصبحت مسـألة الأمـن مسألة ملحة أمام الاتحاد، لكنها أحدثت مواقف متباينة بين أعضائه، فقسم أراد أن تستقل سياسته الأمنية عن سياسة أمريكا وحلف الأطلسي /الناتو/، وقسم آخر أراد الارتماء في أحضان تلك السياسة التي تصنف روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي عدوة، حتى على هذا الاتجاه انقسم أعضاء الاتحاد على التعاون مع هذا “العدو” أو استفزازه واستمرار الصراع معه، وكان الغلبة للاتجاه الذي تبنته أو بالأصح فرضته أمريكا على الأمن الأوروبي، فلحق بالناتو الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
وقد أدخلت السياسات الأمريكية الأمن الأوروبي وكذلك العالم، في متاهات وأزمات كما حصل في أفغانستان والعراق، وهو ما يحصل اليوم في أوكرانيا، إذ أشعلت نار حرب تسببت في أزمات اقتصادية وأمنية وسياسية، كانت أوروبا من أكثر المتضررين بنتيجتها.
فهذه الحرب أظهرت أن الأمن الأوروبي خلبي والاتحاد غير قادر على الدفاع عن أعضائه، وأنه تابع ذليل لأمريكا. وألقت هذه التحولات بتأثيراتها على الساحة الأوروبية خاصة في تغير المدركات الأمنية في العلاقات الجوارية مع روسيا التي أظهرت في أوكرانيا ضعف سياسات الأمن والدفاع الأوروبية وتخلي أمريكا عنها وترك أوكرانيا التي تورطت نتيجة سياسات أمريكا والغرب بهذه الحرب التي أرادتها الولايات المتحدة للهيمنة على تلك المنطقة.
ومن هنا جاء تحذير مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 7/2/2022 ، من أن “أوروبا تمر بمرحلة هي الأخطر على أمنها منذ نهاية الحرب الباردة حتى لو كان الحل السياسي مع روسيا لا يزال ممكناً”، بحسب موقع “يورو نيوز” الأوروبي.
لذلك ليس أمام أوروبا إلا العودة إلى فلسفة الأمن والدفاع الأوروبية التي قامت عليها وهي الحفاظ على الجوار الآمن والهادئ والسلمي مع روسيا سواء اعتبرته عدوا أو صديقا لأن الإخلال بهذا المبدأ الذي يشكل أحد أعمدة هذه الفلسفة سيلحق الأذى والضرر لأوروبا سياسيا وأمنيا واقتصاديا ولتأخذ العبر من درس أوكرانيا.