بقلم الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر:
تتسارع الأحداث في الباكستان والتي تنذر بحدوث أزمة سياسية كبيرة سيكون لها تداعيات إقليمية ودولية كبيرة، خاصة وأن باكستان لعبت دوراً محورياً هاماً في السنوات الماضية، فهي ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم بعد إندونيسيا، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحاً نووياً، وهي تاسع أكبر قوة عسكرية على مستوى العالم وفقاً لتصنيف العام ٢٠٢٢.
كما أنها كانت شريكاً هاماً للولايات المتحدة في حرب واشنطن المزعومة ضد الإرهاب منذ العام ٢٠٠١ حتى أنها صنفت كحليف رئيس للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي في العام ٢٠٠٤.
كما لعبت الباكستان في السنوات الأخيرة أدواراً سياسية هامة، فقد سعت للوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وكذلك عملت على حل الأزمة الخليجية لما تحظى به من علاقات قوية مع دول الخليج العربي وخاصة السعودية وقطر.
ولكن، وعلى الرغم من ذلك كله فقد كان الاقتصاد الباكستاني متواضع جداً نتيجة لاعتمادها بشكل كبير على المساعدات الخارجية، وخاصة تلك المقدمة من المملكة العربية السعودية والتي تقدر بحوالي ٦ مليارات دولار سنوياً، والمساعدة من الولايات المتحدة والتي تقدر بحوالي ٣ مليارات دولار سنوياً.
حيث توقفت المساعدات السعودية نتيجة للموقف الباكستاني من حرب اليمن ورفضها إرسال قوات للمشاركة في “التحالف الدولي” ضد اليمن، على الرغم من أن هناك أكثر من /٣/ ملايين عامل باكستاني في المملكة كانوا ربما سيتعرضون للطرد، وكذلك بسبب المنافسة معها على صدارة العالم الإسلامي عندما دعت الباكستان لعقد اجتماع كوالالمبور لمناقشة قضية كشمير وهو ما تسبب بغضب المملكة حينها.
أما المساعدات الأمريكية فقد توقفت في عهدي ترامب وبايدن، بسبب قناعة الإدارة الأمريكية بأن الباكستان أصبحت حليفاً غير موثوق به وخاصة بعد سقوط مشرف المدعوم أمريكياً، وبسبب علاقة الباكستان الوثيقة خلال السنوات السابقة مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة، حيث قتل زعيمها أسامة بن لادن على الأراضي الباكستانية بغارة أمريكية لم يتم إبلاغ الحكومة الباكستانية بها مسبقاً وهو ما يدلل على فقدان الثقة بين البلدين.
وازدادت الأمور الاقتصادية سوءاً مع وصول عمران خان إلى رئاسة الحكومة في العام ٢٠١٨، نتيجة لتوقف المساعدات الخارجية كما أشرنا، ونتيجة لتراكم حالات النهب والفساد عبر الحكومات السابقة وخاصة في عهد الرئيس برويز مشرف والذي وصل إلى الحكم في العام ٢٠٠١ بانقلاب عسكري مدعوم أمريكياً، وبعد اكتشاف فساده اضطر للاستقالة واللجوء إلى الإمارات والسعودية، ونتيجة لعرقلة البنك الدولي لطلب باكستان في الحصول على قرض يقدر بحوالي /٦/ مليارات دولار.
وفي الآونة الأخيرة دخلت البلاد أزمة سياسية بعد أن رفض رئيس الوزراء عمران خان طلب مجلس النواب باستقالته، حيث قام الرئيس عارف علوي بحل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مبكرة خلال ثلاثة أشهر، وهو ما أحال الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا، ما جعل رئيس الوزراء عمران خان يصرح بأن الولايات المتحدة تريد تصفيته بسبب مواقفه التي لا تعجبهم.
والسؤال هنا لماذا هذا التصعيد في باكستان؟ وما الذي فعله رئيس الوزراء خان حتى تم تأليب المعارضة عليه؟
في الحقيقة هناك عدة أسباب لذلك، منها الداخلية وهي ما تحدثنا عنه من سوء الأحوال الاقتصادية، ومنها الخارجية وهي الأهم والتي يمكن إجمالها بما يلي:
الموقف من حركة طالبان، والعلاقة الوثيقة معها والاحتفال بالهزيمة الأمريكية في أفغانستان، والعلاقة الجيدة مع طهران وتعزيز التعاون الاقتصادي والنووي معها، والانضمام لمبادرة الحزام والطريق وتوقيع اتفاق تعاون اقتصادي كبير مع بكين، ورفض المطالب الأمريكية بإقامة قواعد عسكرية لها في باكستان بالقرب من الحدود مع الصين.
وكذلك الموقف من القضية الفلسطينية، ورفض التطبيع، ورفض الاعتراف بإسرائيل، وكذلك رفض السلام الإبراهيمي، حيث قال خان إنه يتعرض لضغوط أمريكية كبيرة للاعتراف بالكيان الصهيوني، وتدهور العلاقات مع المملكة العربية السعودية بسبب الموقف الباكستاني من حرب اليمن حيث اعتبرها خان كارثة على المنطقة وعلى الأمة الإسلامية ورفض المشاركة فيها.
ولعل السبب الأهم هو التقارب مع روسيا والقيام بزيارة موسكو، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس للوزراء منذ عقدين من الزمن، ورفض المطالب الغربية بإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والرد الواضح والصريح من قبل خان على الطلب المقدم من رؤساء /٢٢/ بعثة أوربية لإدانة موسكو، حيث تساءل لماذا لم تطلبوا ذلك من الهند وقد اتخذت نفس موقفنا في مجلس الأمن؟ ثم أعلن كلمته المدوية: لسنا عبيداً لكم.
هذه الأسباب وغيرها تجعلنا نعتقد أن الأوضاع في الباكستان أصبحت خطيرة ومهيأة للانفجار خاصة وأن باكستان فيها /١٤/ عرقية تنتشر على مساحات واسعة في البلاد، وخاصة في ظل التقارب الخليجي مع الهند وتأييدهم لها في قضية كشمير باعتبارها شأناً داخلياً، باعتبار أن الهند تدعم الاتفاقيات الإبراهيمية التي تقودها الدول الخليجية.
وتبقى الاحتمالات مفتوحة بالنسبة لمستقبل رئيس الوزراء عمران خان، فقد يتم الانقلاب عليه عسكرياً، خاصة وأن الجيش الباكستاني وجنرالاته تربطهم علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسبق لهذا الجيش أن قام بأربعة انقلابات عسكرية منذ تأسيسه، أو أن يتم تصفيته كما حدث مع بنازير بوتو في العام ٢٠٠٧، وربما يتمكن الشعب الباكستاني من حمايته حيث يحظى بشعبية كبيرة في المجتمع منذ أن كان لاعباً للكريكيت، وحين حصل على بطولة العالم في الكريكيت في العام ١٩٩٢ قام بالتبرع بالمبالغ التي حصل عليها لبناء مشفى لمعالجة السرطان، كما اشتهر بنزاهته ومحاربته للفساد، ويبقى السؤال الأهم وهو: ما الذي سيفعله حلفاء خان وأصدقاؤه من الدول الأخرى لدعمه والحفاظ على بقائه في السلطة ومنع الانهيار في باكستان…؟
باحث سوري – أستاذ في كلية الدراسات الدولية في الصين