أمام الاهتمام الحكومي المتواضع إلى حدود اللامبالاة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، واستمرار آلاف مؤلفة من الفرص بحالة من الهدر والضياع، سواء على رواد الأعمال أم على الاقتصاد الوطني، نرى أن الحكومة تتحدث بمبالغة شديدة عن اهتمامها الكبير بهذا الأمر، والذي كأنه لا يضاهيه اهتمام في العالم، والحكومة بذلك تحاول – على ما يبدو – تغطية التقصير الحاصل، غير أن هذه المبالغة لن تقيّم المشاريع، ولن تُحدث أي تقدم على الأرض، بل على العكس فإنها تساهم بالمزيد من الإحباط عند أولئك الشباب – أو الذين كانوا شباباً .. فالعمرُ غدر الكثيرين منهم وهم ينتظرون بلا نفع ولا فائدة – لأنهم يسمعون شيئاً ويتذوقون مرارة أشياء مختلفة .. !
في جلستها الأسبوعية الماضية جدّدت الحكومة عبر الخبر الرسمي عن الجلسة، قولها بأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعتبر من أولى الأولويات ..! وجاء في الخبر :
( …… مواصلة إعطاء المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الاهتمام الكامل باعتبارها في مقدّمة أولويات العمل لمختلف الجهات الحكومية )
هي مشكلة حقيقية باتت تحتاج إلى تشخيصٍ وإيضاح ومن ثم إلى حل، فأن تعتبر الحكومة نفسها بأنها ( تواصل ) إعطاء هذه المشروعات الاهتمام ( الكامل ) وأنها تعتبرها في ( مقدمة أولويات العمل ) أي لا ترى ذلك الاهتمام في الوسط ولا في المؤخرة، فهي تريد بذلك أن تشير إلى أنها باتت تمتلك إرثاً ضخماً من الاهتمام، ولذلك تبشرنا بأنها سوف تواصل وتتابع وتستمر بمراكمة هذا الإرث..!
هذا كلّه في الوقت الذي يواجه فيه رواد الأعمال – الذين هم دون غيرهم المحرك الأساسي لمثل هذه المشاريع – الكثير من الضغط النفسي والاحباط من اللامبالاة وعدم الاكتراث الحكومي بمشاريعهم المأمولة، وهم متروكون هكذا بلا أي اهتمام إلا بما يسمعونه من كلام وتنظير بلا فائدة، لأن أساس الانطلاق بهذه المشاريع هو تمويلها بقروضٍ ميسّرة وغير مرهقة، والحكومة فتحت أبواب القروض فعلاً ولكن بشروط عسيرةٍ مرهقة وغير ميسّرة على الاطلاق، لدرجة أن أغلبية رواد الأعمال ليسوا قادرين على تحمّل تلك الشروط وتلبيتها، ولا خيار عندهم سوى الاحجام عن الحصول على تلك القروض، لا غنجاً ولا تدللاً، وإنما لأنهم لا يمتلكون الضمانات الضخمة التي تفرضها التعليمات وتقرنها بشكل وثيق مع الموافقة على القرض، مع أن المشروع ذاته – أيّاً كان – يمكن أن يكون هو الضمانة الحقيقية البعيدة عن المخاطر أكثر من أي ضمانة أخرى فيما لو بذلت الجهات المقرضة – بأوامر وتعليمات حكومية – بعض الجهود الإضافية للتأكد من إقامة المشروع على الأرض، ثم لماذا لا تبذل مثل هذا الجهد مادام الأمر في مقدّمة الأولويات ..؟!
إن ما يحصل من دمار حقيقي لأفكار رواد الأعمال ولمشاريعهم وأحلامهم وطموحاتهم لا يمكن أن ينجم عن ( الاهتمام الكامل ) ولا حتى عن اهتمام ناقص .. بل هو معدوم، والقروض بهذا الشكل هي قروض بلا أي اهتمام، فرجاءً ثم رجاءً لا تسموا ذلك اهتماماً .. ولا تواصلوا مراكمة ذلك الإرث المرير.
على الملأ -علي محمود جديد