الثورة – غصون سليمان:
في الحياة ثمة أروقة ونوافذ لاندرك أهميتها إلا بعد حين، وثمة صناعة وحرفة لاندرك ضروراتها وتداعياتها النفسية والاجتماعية إلا بعد فوات الأوان وأفول مساحات الفرح والسرور بصورة قسرية.
لقد فعلت الحرب العدوانية على سورية فعلها وفتكت بالكثير من منجزات الشعب والمجتمع السوري الذي كان يتمتع بالأمان والسلام والوفرة، إلا أن الأشياء الصلبة التي لم تستطع أن تكسرها لغاية اللحظة ولن تستطيع، هي إرادة الحياة وأنه لا مستحيل امام أعينهم، فقد مسحوا السواد بنبض جراحهم، وتيمموا صعيد الوطن قبلة ونهجاً وعملاً..
فإضافة إلى المبادرات الخيرية والتطوعية والمشاريع الصغيرة والكبيرة كانت المعارض الفنية والحرفية لمنتجات
النساء على امتداد ساحة الوطن تعكس ذاك العصف والقدرة على العطاء بأبهى صوره رغم كل ذاك الضيق، فقد جسدت السنوات الإحدى عشر من عمر الدمار والخراب خريطة من حقد لمن أراد العبث بخصوصية السوريين.. فيما البساط الأخضر أعاد لونه الجيش العربي السوري وأنامل النساء السوريات من عاملات وأمهات وفنانات وحرفيات ماهرات أعدن لألق الحياة شكلها ولونها في كثير من التفاصيل.
وفي هذا السياق أشير لما ذكره أحد المحامين الأصدقاء حين كان يزور مدينة بانياس في جولة عمل ليؤكد أن هناك من يعمل على تقليص مساحة السواد التي خطفت كل بهجة وسرور، مثنياً على ما رآه من جمال ووداعة مايجعل المرء يعيد صياغة مشاعره ومتاعبه بأن ثمة ضياء يزيح كل ماهو داكن.. لقد كان هذا الصديق بالقرب من قصر الثقافة في بانياس،
حيث قاده فضوله لمعرفة ما يجري في أروقته وحين تبصر المكان الذي يضج بنبض الحياة وتفاعل الناس من نساء ورجال وزوار.
سارع للاتصال لإخباري بعبارة “عشتار تبدع في قصر الثقافة” ومارأيته أزاح عن كاهلي كل التعب، وقعت هذه العبارة على مسمعي كالماء البارد في يوم صيفي حار.
ومن خلال التواصل مع الفنانة الحرفية سوزان خضور في نفس اللحظة أشارت إلى أن معرض عشتار السادس هو إنجاز حقيقي لعادات وتقاليد غنية عند السوريات والسوريين، فالبيئة غنية بكل شيء، وعطاؤها لاحدود له، حيث أثبتت المرأة السورية مدى نضجها ووعيها وإحساسها الوطني وقدرتها على التأقلم مع جميع الظروف، مجترحة الحلول وفق الإمكانيات المتاحة، لطالما لم تعرف في قاموسها الحياتي معنى الاستسلام.
تشارك خضور بمجموعة من أشكال الخيزران وأنواع من الغذائيات والمربيات والحلويات، مؤكدة على أهمية المعارض لإبراز قدرات المرأة السورية أولاً، وكيف تحدت جميع الظروف بغية تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة، ودعمها نفسياً واجتماعياً، حيث يسهِّل لها ذلك من بناء شخصيتها وتطوير ذاتها باستمرار..
فالمعرض فتح مجالاً لجميع النساء اللواتي عبَّرن عن أنفسهن بطرق مختلفة فنياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً،
إلا أنٌ المشكلة التي تواجهها منتجات النساء بشكل عام هي صعوبة التسويق.
كما تضمن المعرض لوحات فنية رائعة تعكس حال الواقع بكل مافيه من آمال وآلام، إضافة إلى الأعمال اليدوية المتنوعة من إكسسوارات وأقمشة وأطواق للفتيات، وأشكال البسط المشغولة على النول اليدوي، إلى جانب المنتجات الغذائية والكروشيه والخيزران والشرقيات والصباريات.
معرض “عشتار تبدع” في عامه السادس هو تأكيد على عطاء المرأة المستمر، وتأكيد أيضا على تحدي الظروف القاهرة التي يعيشها الوطن، فداخل كل امرأة موهبة تحتاج إلى دعم ورعاية واحتضان باعتبارها تجسد بالقول والفعل أن لامستحيل تحت الشمس.
