ليس الجلاء مناسبة للاحتفال بطرد الاحتلال الفرنسي ودحره عن ثرى الوطن فحسب، بل هو أكثر وأبعد وأعمق من ذلك بكثير، لا، لأنه يحفظ ذاكرة السوريين ويجسد تضحياتهم وبطولاتهم فحسب، بل، لأنه أيضا بات يجسد هوية وطن وأبجدية شعب يعشق الحرية والكرامة، ويرفض الخنوع والذل والتبعية.
في استحضار الجلاء العظيم، تسمو بنا البطولات التي صنعها أبناء هذه الأرض الذين عاهدوا الله على أن يبذلوا أرواحهم ودماءهم من أجل أن يبقى هذا الوطن حراً وشامخاً وعزيزاً، في استحضار الجلاء العظيم تتمثل حكاية الجلاء واقعا وتنسج الذاكرة تفاصيلها كاملة، من ألفها إلى ياءها، حيث السوريين لا يزالون يدافعون عن استقلالهم بكلّ عنفوان وشموخ بعد أن اجتمعت عليهم وحوش الإرهاب وقوى الشر والطغيان.
يحتضننا الجلاء بأجنحته الوارفة الظلال والغلال والآمال مُلقياً باستحقاقات التاريخ والضمير واللحظة الاستثنائية إلى واجهة المشهد، حيث المعركة مع قوى الاستعمار لا تزال مستمرة، بل وأكثر استشراساً من ذي قبل لأنها باتت معركة مصير ووجود ليس للشعب السوري فحسب، بل لدول الاستعمار التي تلقت الهزائم الكبرى على هذه الأرض الطاهرة.
ما أشبه اليوم بالأمس، بالرغم من كثرة الأعداء وتغولهم وتكالبهم على أرضنا وهويتنا وانتماءنا وحاضرنا ومستقبل أبنائنا، ليبقى الثابت الوحيد هو شعبنا العظيم وإيمانه الكبير وإرادته وعزيمته الصلدة التي لا تلين في حماية وصون ترابه من كلّ الغزاة والطامعين.
76 عاماً، ولايزال الجلاء حاضراً في ذاكرة السوريين، ولا يزال بوصلتهم في كلّ قضاياهم المصيرية، والأهم أنه لايزال يشكل خنجراً مسموماً في خاصرة الدول الاستعمارية يؤرقها ويستنزفها ويهوي بها إلى الزوايا المظلمة في التاريخ.
حدث وتعليق -فؤاد الوادي