ثمة علاقات يعيشها الإنسان، تكون كاشفة أكثر من غيرها، تكشف درجة وعيه وإنسانيته، كعلاقة الأبناء بالآباء والتي أوصت بها الأديان فكادت تقترب من درجة القدسية.
فهي تحمي المجتمع وتجعله أكثر تماسكاً، وتلف العلاقات الأسرية بكافة أنواعها بإنسانية تجعل الحياة أفضل وتكون عاملاً لتذليل الصعوبات، هنا يصبح بر الوالدين ليس خياراً.
قبل شهر من اليوم، كنت باكراً في دار السعادة للمسنين لأشارك في وداع صديقي الذي توفي هناك، بانتظار الجنازة، التقيت سيدة، بادرت بتحيتها وسؤالها عن صحتها وإقامتها بالدار، حمدت الله وشكرت فاعلي الخير، عندما سألتها عن أبنائها وأحفادها، بادرت لسرد مبررات لكل منهم ومنهن، بأن ظروفهم صعبة وزيارتها مكلفة، فهي لا تعتب عليهم لقلة زيارتها.
حالة هذه الأم ليست نادرة، لجهة بقائها وحيدة ،الكثير من الآباء تركهم الأبناء بسبب ظروف الحرب أو للبحث عن فرص حياة أفضل في بلدان أخرى، لكن هناك أبناء ابتعدوا عن أمهاتهم وآبائهم بحجج واهية، منها ما ذكرته تلك الأم المسنة بأن الظروف صعبة، ومنها اختلاف الأجيال، أقول حججاً واهية لأن بر الوالدين رحمة، ألم تقل الآية الكريمة: “رب ارحمهما كما ربياني صغيراً”.
أما إن كانت الحجة عند الأجيال الجديدة الاستقلال، والابتعاد عن الأسرة الكبيرة، فهذه أيضاً حجة لإخفاء أنانيتهم، لأنهم يأخذون ما يريدون من دون أن يقدموا ماعليهم، وهنا يصبحون عاقين وعاقات.
تدرك التجربة الإنسانية أنانية الأبناء، فأوصت الأديان ببر الوالدين، وتحدث علماء الاجتماع والنفس عن أهمية وجود العائلة بحياة الصغار، وعن مدى الدعم النفسي والعاطفي الذي ينقله الأجداد للأحفاد، ما يجعل العقوق ضاراً ليس للآباء وإنما للأحفاد أيضاً.
إن بر الوالدين قيمة إنسانية لا تسقط مع الزمن، وهي ليست موضة قديمة لتستبعدها الحداثة، إنها كحليب الأمهات تزيد الجسم مناعة والعاطفة قوة.
أعود للآية الكريمة “رب ارحمهما كما ربياني صغيراً”.