ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
بعد نقاش مطوّل ومستفيض أقرّ مجلس الشعب مواد قانون الانتخابات, ليدشن مرحلة مهمة في الطريق نحو استكمال أدوات العملية الديمقراطية, التي تُملي حضورها بوضوح على روزنامة الاستحقاقات الدستورية, والتي يتحضر السوريون لخوض غمارها في المرحلة القادمة.
قد يطول الحديث عن القانون وما ينطوي عليه، لكن مايلفت استباق إقراره بمجموعة من المواقف السياسية الغربية, افتقدت الحد الأدنى من مبرراتها ومشروعيتها, حين علت أصوات سياسييها في دليل واضح على المباغتة التي مُنيت وتُمنى بها حساباتهم كلما أنجز السوريون خطوة باتجاه الحل السياسي واستكمال عوامل التحصين الداخلي، وتوفير الأسس الفعلية لمشروعهم الوطني.
من هذا المنطلق يجب التوقف عند الدلالات التي تحملها الكثير من المقاربات المتعجلة, التي تصدر تباعاً وهي تحاكي في كل معطياتها هواجس ومخاوف واضحة من أن خطوة السوريين تعني قطع الطريق على المرتزقة والإرهابيين في الاستمرار بمشروعهم، وبالتالي لم يكن مفاجئاً أن يبدأ القصف السياسي والإعلامي والدبلوماسي الغربي على مختلف الجبهات في محاولة استباقية لعرقلة أي خطوة بهذا الاتجاه.
والواضح أن تلك المخاوف لا تقتصر على ما يمكن أن تقود إليه على المستوى السياسي، لأن العملية الديمقراطية بحد ذاتها ليست هدفاً لهم ولا واردة في حساباتهم، والاتجاه نحو استكمالها يسحب كل الذرائع التي تشدّقوا بها على مدى السنوات الماضية من جهة، ويغلق الباب على المزايدات السياسية التي حَفلت بها المنابر الغربية وأروقة الاجتماعات الدولية على أكثر من صعيد من جهة ثانية.
المفارقة في الخطاب الغربي والهجوم غير المسبوق على إنجاز قانون الانتخابات, أن سيل الانتقادات لم يُشر في حرف منه إلى مضمون القانون، وكثير من المواقف صدرت حتى قبل أن تقرأ أو تسمع بتفاصيله، ونكاد نجزم بأنها ليست في وارد القراءة ولا تريد ذلك، لأن هذا القانون بما يتضمنه من نصوص تحاكي أفضل النصوص القانونية العالمية وبالمعايير المعمول بها دولياً، لم يترك مجالاً للخوض في النقاش وهي لا تمتلك أي ورقة للمحاججة فيها.
والمثير أن يكون الهجوم الغربي مبنياً على فرضيات سياسية تتقاطع حول نقطة تبدو الأضعف في سياق أي انتقاد، حين تزعم الخشية على العملية الديمقراطية والحل السياسي، والقانون بحد ذاته يمثل الخطوة الأهم في العملية الديمقراطية، ويجسد انطلاقة فعلية نحو الحل السياسي من خلال ما يترتب عليه من اختبار لإرادة الشعب, وفرصة حقيقية كي يعبّر السوريون عن إرادتهم في صناديق الاقتراع حول مجمل استحقاقاتهم الدستورية.
فالواضح أن الغرب بكل ما يمثله لا يريد للعملية الديمقراطية أن تأخذ مسارها، ولا للحل السياسي أن يشق طريقه، خصوصاً وهو يقترن بإنجازات عملية في الميدان تسحب البساط من تحت أقدام مرتزقته وإرهابييه، وتحرق آخر ما في جعبته من أوراق كان يراهن عليها لتفجير أي حل.
السوريون الذين حسموا خياراتهم منذ وقت طويل لا يعيرون الكثير من الانتباه لتلك الأصوات المبحوحة، بما فيها تلك التي انضمت مسبقاً إلى الجوقة، وبعضها استبق مواقف الغرب وفتح جبهة ليست له ولا من اختصاصه، وخرج فيها عن دوره وموقعه بدءاً من الأخضر الإبراهيمي.. وليس انتهاء بكي مون.. مروراً بأسيادهم الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين.
والسوريون يخطون باتجاه إنجاز حلولهم الوطنية بعيداً عن حسابات الآخرين ومعادلاتهم، وقد أثمرت تلك الخطوات في القوانين وعلى الأرض وفي المصالحة، وأنتجت ما تعجز عنه كل مفردات الخطاب الأممي ومعه الغربي وأدواته وتابعوه في المنطقة، وقانون الانتخابات وما يجسده على أرض الواقع سيكون نقطة تحوّل لم تقتصر، ولن تقتصر، على ما يعنيه عملياً، بل حتى في محتواه حين حقق النقلة النوعية بوضع العملية الانتخابية بعهدة القضاء للإشراف الكامل عليها.
وعدُ السوريين بمواجهة الإرهاب يتحقق انتصارات فعلية على الأرض، ووعدُ السوريين برفض الإملاء الخارجي وأي تدخل في شؤونهم تترجمه خطواتهم في المصالحة الوطنية، ووعدُ السوريين بسورية متجددة تعكسه إرادتهم في إنجاز العملية الديمقراطية وفق المعايير الوطنية التي تسبق بخطوات الكثير مما هو قائم في دول عديدة داخل المنطقة وخارجها.
a.ka667@yahoo.com