ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يفرض الميدان السوري إحداثياته، وتتسابق خرائط السياسة والدبلوماسية والإعلام بحثاً عن أقلام التحبير، وهي تلاحق تطوراته المتسارعة، فيما تبدو المقاربات الناتجة مجرد صدى لتداعيات ما ينتج،
وفي أفضل الحالات تدوير للزوايا بحثاً عن موضع قدم يصلح للدلالة على استمرارية المواجهة حتى إشعار آخر.
فالحسابات الأميركية والإسرائيلية معها والخليجية من ضمنها، التي كانت تفترض تطورات مغايرة في اتجاهها وفي تداعياتها تعيد النظر في محتواها، وتلاقيها على الضفة الأخرى المعادلات التي تنهار فرضياتها تباعا،ً لتحل مكانها مفاهيم ومصطلحات تستعجل رسم الخرائط على وقع ما تخطط له تلك الأطراف من إشعال متعمّد للتغطية على شواهد الهزيمة في الميدان والإفلاس في بدائل السياسة.
في جردة بسيطة.. لا يزال من المبكر الجزم حتى اللحظة بأن التطورات وحدها تقف خلف هذا الخلط بين ما تم تحقيقه والنتائج التي يقود إليها، حيث يصعب تجاهل الأخطاء التي تتراكم وتدفع نحو حماقات جديدة على الصعد المختلفة، وهي تحاكي احتمالات مفتوحة لإعادة خلط الأوراق، وإشهار علني للرسائل الممزوجة برعونة واضحة في فتح الباب على مصراعيه أمام حالة الانهدام في خيط الفصل بين الممكن سياسياً والمستحيل عسكرياً.
ما يتردد في الأروقة الجانبية لصانع القرار الأميركي يحاول أن يرسم فرضيات إضافية عن الوقت المتبقي أو الفاصل، ولا يخفي ميله إلى خطوات متعجلة وغير مدروسة تتجاوز الحيّز التقليدي للمواجهة، بما في ذلك فرضية إعادة تجميع أدواته ومعها إسرائيل والزج بها في جبهات المواجهة المفتوحة، لتوقف هذا الانهيار في خطوط الإرهابيين والراعين الإقليميين على حدّ سواء.
يقابله على الجانب الآخر الصدى الموازي له في ترددات مواقف حلفاء أميركا وأدواتها، حيث الحيّز العسكري والميداني يضيق، وخيارات السياسة تكاد تنعدم، فيما الدبلوماسية العقيمة تصل الحائط المسدود، ما يضفي على خطواتهم مجتمعة مزيداً من التهور والحماقة التي تزيد حجم المأزق وتراكم الخيبة على مختلف الصعد والاتجاهات.
على هذه القاعدة تبدو المقاربة الأميركية في مواجهة تطورات الميدان السوري وإنجازات الجيش العربي السوري مجرد محاولة يائسة إضافية لمزيد من الوقت، وخطوات عبثية لإشعال المزيد من الحرائق، وفتح جبهات كانت مغلقة أو مؤجلة أو محيّدة، بما فيها التلويح بجبهة الصراع مع إسرائيل لتكون آخر أوراق الطاولة الأميركية.
الفارق أن الهيمنة الأميركية التي اعتادت على مدى عقدين ونيف من التفرّد بالعالم، أن ترسم التطورات ومنحنيات السياسة الدولية وخرائطها وتعرجات الدبلوماسية، وأن تحدد إحداثيات الميدان تبعاً لها، تبدو الآن الصورة مقلوبة، وبات الميدان بتطوراته وما ينتج عنه يحدد خرائط السياسة، ويملي خطوات الدبلوماسية، وما يحققه الجيش العربي السوري بات المعيار والمقياس، وفي أحيان كثيرة الدليل والقرينة.
فما تحقق في يبرود وبعدها في الحصن وقبلها في الزارة والجراجير ومزارع ريما، لم يعد في ميزان السياسة مجرد إضافات حسية ملموسة إلى خارطة الإنجازات السورية في الميدان، بقدر ما هو وقائع تفتح الباب على مسارات تلغي صلاحية الخيارات الأميركية، وتبطل مفعول الخرائط المسبقة الصنع التي أرادت تعميمها، وهنا يتضاعف الفارق في متوالية هندسية متاح لنا أن نعرف نقاط البدء فيها، لكن يصعب على الأميركي ومعه الإسرائيلي حكماً إدراك أين تنتهي، والأهم أنه في مثل هذه المعطيات لا مكان للعربدة ولا طاقة لها أن تغيّر، أو أن تعدّل، أو أن تتمكن من خلط الأوراق كما هي في الظروف العادية.
ومن البدهي أن تزداد حدّة التعرجات الأميركية وانكسارات دبلوماسيتها ،وأن تتضخم الالتواءات داخلها وخارجها، وهي مستمرة في خطأ الاعتقاد، وتواصل تضخيم أوهامها بالتفرّد، ما يشي بأن العالم أمام حقبة من الحماقات المتواصلة، وقد تحمل في جزء منها الكثير من المقامرة غير المحسوبة، في محاولة رفض يائسة وبائسة لإحداثيات الميدان وما تُمليه من خرائط في السياسة، وفي مقدمتها أن أفول التفرّد الأميركي بات واقعاً، وأن عصا العربدة الإسرائيلية لم تعد ورقة صالحة للتهديد والوعيد، وليس بمقدورها أن تعدّل في الإحداثيات، ولا أن تغيّر في الخرائط التي ترسمها بإتقان وكفاءة أقدام الجيش العربي السوري.
a.ka667@yahoo.com