الثورة – حسين صقر:
الإنسان ابن بيئته، ويكون منذ الولادة وحتى سن ما قبل المراهقة عبارة عن ورقة بيضاء نستطيع أن نكتب عليها ما نشاء، أو يكون عجينة نشكل من خلالها المجسم أو الشكل الذي نريد، فضلاً عن ذلك الإنسان بطبعه فضولي ويميل إلى محاكاة وتقليد الآخرين، ويتخذ ممن هم أكبر منه سناً مثالاً يحتذى وقدوة تتبع.
وبالتالي فإن كانت تلك الكتابة جميلة وحروفها عميقة وذات معنى، كان شخصاً سوياً ناضجاً عارفاً بما له وما عليه، وإن كان العكس كان فرداً طفيلياً على المجتمع، كلما نما، نمت معه مشكلاته، وبالتالي يجب أن نكون حريصين على تلك الورقة وتلك العجينة وتلك القدوة.
علماء النفس يشيرون إلى عدد من الأسباب التي تجعل الآباء مسؤولين عن أن يصبح أطفالهم منحرفين وقد يكونوا مجرمين، موضحين أن الأب الذي يعطي ابنه كل ما يطلبه،
يكبر هذا الطفل معتقداً بأن له الحق في ما يريد، وكل ما هو موجود حوله ملك له ومباح، وعندها تتشكل لديه حالة من العدوانية، لأن طلباته مجابة وأوامره مستجابة، ويكبر على هذا الأساس، وتبدأ أفكاره بالتحول إلى عادات والعادات تحدد سلوكه وممارساته بين أقرانه الذين يمكن أن يشكل خطراً عليهم ذات يوم.
وكذلك الأب الذي يضحك عندما يتكلم ابنه بألفاظ نابية أو بعيدة عن اللباقة مع الآخرين سواء من عمره أو الذين يكبرونه أو يصغرونه سناً، لأن لسانه سوف يعتاد تلك الألفاظ، ولن يميز فيما بعد بين الناس، وقد يصل البلّ إلى ذقن أبيه، والأمثلة على تلك الحالة كثيرة، حيث نرى الكثير من الأشخاص ونسمع عنهم ممن لا يقدرون وجود آخرين، وتراهم يتلفظون بكلمات نابية دون أي وازع أخلاقي، وبهذا يكبر الطفل وجل اعتقاد لديه بأن عدم الاحترام أمر طبيعي وعادي وقد يكون مسلياً.
وأشار هؤلاء إلى أن الأب الذي لا يوبخ على سوء السلوك، يكبر الطفل وهو يظن أنه لا توجد قواعد في المجتمع، وأن كل شيء مباح، وفوق ذلك يبدأ التأثير على أقرانه الذين سيقلدونه حتماً، وهكذا تتسع دائرة اللامبالاة والفوضى عنده رويداً رويداً.
وأضاف علماء النفس أن قسماً من الآباء يبرر فوضى ابنه، ولهذا يكبر الطفل وهو يفكر بأن الآخرين يمكنهم تحمل مسؤولياتهم نحوه، وأنهم لن يزعجوه، لأن أباه دافع عن أخطائه، ولهذا من الضروري أن أول من يقف بوجه ولده هما والداه، لأن عواقب أي تصرف خاطئ مع الآخرين سوف ينعكس عليهما، وسوف يقلقهما، ولن يكونا بمأمن عن تلك الأخطاء، لأنها سوف تكبر وتتفاقم.
وحذر هؤلاء العلماء من سماح الآباء للأبناء بمشاهدة التلفاز أو اقتناء الهواتف المحمولة دون تحديد جداول ورقابة أبوية، ويراعون بكاء الطفل وصراخه وعصبيته على حساب تنشئته وتربيته، وبالتالي سوف يكبر الأولاد معتقدين أنه لا توجد حدود أو اختلافات بين الكبار والأطفال، وأن ما يتصرفه الأكبر سناً وخاصة ضمن المجال الأخلاقي والتربوي الهادف يختلف كثيراً عن أولئك الصغار الذين يجرفهم سيل القنوات والوسائل الإعلامية.
والأخطر مما سبق أيضاً الآباء الذين يقدمون أموالاً لأبنائهم متى شاؤوا، لأن هؤلاء سوف يفكرون في أن كسب المال أمر سهل ولن يترددوا في فعل أي شيء عندما لا يتمكنون من الحصول عليه، وقد تقودهم أرجلهم وعقولهم إلى الفساد والسرقة وارتكاب الأفعال المشينة للحصول على ذلك المال، ولاسيما إذا تغيرت ظروفهم ولم يعد الأهل قادرين على توفير ما يطلبه أبناؤهم.
وأشار العلماء إلى الآباء الذين يجلبون الألعاب التي توحي بارتكاب الجرائم كالمسدسات والسكاكين وغيرها، والذين يفضلون أولادهم دائماً ويمدحونهم على أي فعل، بغض النظر عما إذا كانوا على حق أم لا، أيضاً سوف تكبر معهم عادات سيئة بعيدة عن التسامح وقبول الآخر، ولهذا يجب تعليم الطفل الطريق الذي يجب اتباعه، حتى لو كان صعباً وشاقاً، لأن الطريق المستقيم هو الأسلم والأفضل وهو ما يعود على الأبناء بالخير والنجاح وتحقيق الأمنيات، وما عدا ذلك سوف يكون فرداً منحرفاً بما للكلمة من معنى، وتلقينه أن الآخرين يمكن أن يكونوا على حق أيضاً.